سجية تلك فيهم غير محدثة |
|
إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع |
قال في «الكشاف» : وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير ، يريد أنه من المحسنات البديعية. ونقل عن الزمخشري أنه أنشد لنفسه لمّا فسر لطلبته هذه الآية فقيد عنه في الحواشي قوله :
به فجع الفرسان فوق خيولهم |
|
كما فجعت تحت الستور العواتق |
تساقط من أيديهم البيض حيرة |
|
وزعزع عن أجيادهن المخانق |
وفي هذه الآية محسّن الطباق مرتين بين (الَّذِينَ كَفَرُوا) و (الَّذِينَ آمَنُوا) وبين (الْحَقُ) و (الْباطِلَ). وفي بيتي الزمخشري محسّن الطباق مرة واحدة بين فوق وتحت. واتباع الباطل واتباع الحق تمثيليتان لهيئتي العمل بما يأمر به أئمة الشرك أولياءهم وما يدعو إليه القرآن ، أي عملوا بالباطل وعمل الآخرون بالحق.
ووصف (الْحَقَ) بأنه (مِنْ رَبِّهِمْ) تنويه به وتشريف لهم.
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ).
تذييل لما قبله ، أي مثل ذلك التبيين للحالين يبين الله الأحوال للناس بيانا واضحا.
والمعنى : قد بيّنا لكل فريق من الكافرين والمؤمنين حاله تفصيلا وإجمالا ، وما تفضي إليه من استحقاق المعاملة بحيث لم يبق خفاء في كنه الحالين ، ومثل ذلك البيان يمثل الله للناس أحوالهم كيلا تلتبس عليهم الأسباب والمسببات.
ومعنى (يَضْرِبُ) : يلقي وهذا إلقاء تبيين بقرينة السياق ، وتقدم عند قوله تعالى : (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في سورة البقرة [٢٦].
والأمثال : جمع مثل بالتحريك وهو الحال التي تمثل صاحبها ، أي تشهره للناس وتعرفهم به فلا يلتبس بنظائره. واللام للأجل ، والمراد بالناس جميع الناس. وضمير (أَمْثالَهُمْ) للناس.
والمعنى : كهذا التبيين يبيّن الله للناس أحوالهم فلا يبقوا في غفلة عن شئون أنفسهم محجوبين عن تحقق كنههم بحجاب التعود لئلا يختلط الخبيث بالطيب ، ولكي يكونوا على بصيرة في شئونهم ، وفي هذا إيماء إلى وجوب التوسم لتمييز المنافقين عن المسلمين حقا ، فإن من مقاصد السورة التحذير من المنافقين.