فألقت عصاها واستقرّ بها النوى |
|
كما قرّ عينا بالإياب المسافر |
فشبه حالة المنتهي من كلفة بحالة السائر يلقي عصاه التي استصحبها في سيره.
(ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ).
أعيد اسم الإشارة بعد قوله آنفا : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) [محمد : ٣] للنكتة التي تقدمت هنالك ، وهو خبر لمبتدإ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف. وتقدير المحذوف : الأمر ذلك ، والمشار إليه ما تقدم من قوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) إلى هنا ، ويفيد اسم الإشارة تقرير الحكم ورسوخه في النفوس.
والجملة من اسم الإشارة والمحذوف معترضة و (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) في موضع الحال من الضمير المرفوع المقدر في المصدر من قوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) ، أي أمرتم بضرب رقابهم ، والحال أن الله لو شاء لاستأصلهم ولم يكلفكم بقتالهم ، ولكن الله ناط المسببات بأسبابها المعتادة وهي أن يبلو بعضكم ببعض.
وتعدية (انتصر) بحرف (من) مع أن حقه أن يعدّى بحرف (على) لتضمينه معنى: انتقم.
والاستدراك راجع إلى ما في معنى المشيئة من احتمال أن يكون الله ترك الانتقام منهم لسبب غير ما بعد الاستدراك.
والبلو حقيقته : الاختبار والتجربة ، وهو هنا مجاز في لازمه وهو ظهور ما أراده الله من رفع درجات المؤمنين ووقع بأسهم في قلوب أعدائهم ومن إهانة الكفار ، وهو أن شأنهم بمرأى ومسمع من الناس.
(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)) هذا من مظاهر بلوى بعضهم ببعض وهو مقابل ما في قوله: (فَضَرْبَ الرِّقابِ) إلى قوله : (وَإِمَّا فِداءً) ، فإن ذلك من مظاهر إهانة الذين كفروا فذكر هنا ما هو من رفعة الذين قاتلوا في سبيل الله من المؤمنين بعناية الله بهم.
وجملة (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلخ عطف على جملة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) الآية فإنه لما أمرهم بقتال المشركين أعقب الأمر بوعد الجزاء على فعله.