وذكر (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إظهار في مقام الإضمار إذ كان مقتضى الظاهر أن يقال : فلن يضل الله أعمالكم ، وهكذا بأسلوب الخطاب ، فعدل عن مقتضى الظاهر من الإضمار إلى الإظهار ليكون في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي إفادة تقوّي الخبر ، وليكون ذريعة إلى الإتيان بالموصول للتنويه بصلته ، وللإيماء إلى وجه بناء الخبر على الصلة بأن تلك الصلة هي علة ما ورد بعدها من الخبر.
فجملة (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) خبر عن الموصول ، وقرنت بالفاء لإفادة السببية في ترتب ما بعد الفاء على صلة الموصول لأن الموصول كثيرا ما يشرب معنى الشرط فيقرن خبره بالفاء ، وبذلك تكون صيغة الماضي في فعل (قُتِلُوا) منصرفة إلى الاستقبال لأن ذلك مقتضى الشرط. وجملة (سَيَهْدِيهِمْ) وما عطف عليها بيان لجملة (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ). وتقدم الكلام آنفا على معنى إضلال الأعمال وإصلاح البال.
ومعنى (عَرَّفَها لَهُمْ) أنه وصفها لهم في الدنيا فهم يعرفونها بصفاتها ، فالجملة حال من الجنة ، أو المعنى هداهم إلى طريقها في الآخرة فلا يترددون في أنهم داخلونها ، وذلك من تعجيل الفرح بها. وقيل : (عَرَّفَها) جعل فيها عرفا ، أي ريحا طيبا ، والتطييب من تمام حسن الضيافة.
وقرأ الجمهور قاتلوا بصيغة المفاعلة ، فهو وعد للمجاهدين أحيائهم وأمواتهم. وقرأه أبو عمرو وحفص عن عاصم (قُتِلُوا) بالبناء للنائب ، فعلى هذه القراءة يكون مضمون الآية جزاء الشهداء فهدايتهم وإصلاح بالهم كائنان في الآخرة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧))
لما ذكر أنه لو شاء الله لانتصر منهم علم منه أن ما أمر به المسلمين من قتال الكفار إنما أراد منه نصر الدين بخضد شوكة أعدائه الذين يصدون الناس عنه ، أتبعه بالترغيب في نصر الله والوعد بتكفل الله لهم بالنصر إن نصروه ، وبأنه خاذل الذين كفروا بسبب كراهيتهم ما شرعه من الدين.
فالجملة استئناف ابتدائي لهاته المناسبة. وافتتح الترغيب بندائهم بصلة الإيمان اهتماما بالكلام وإيماء إلى أن الإيماء يقتضي منهم ذلك ، والمقصود تحريضهم على الجهاد في المستقبل بعد أن اجتنوا فائدته مشاهدة يوم بدر.
ومعنى نصرهم الله : نصر دينه ورسوله صلىاللهعليهوسلم لأن الله غني عن النصر في تنفيذ إرادته