والمجرور من قوله : (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) في محل الحال من ضمير (يَأْكُلُونَ) ، أو في محل الصفة لمصدر محذوف هو مفعول مطلق ل (يَأْكُلُونَ) لبيان نوعه.
والتمتع : الانتفاع القليل بالمتاع ، وتقدم في قوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) في سورة آل عمران [١٩٧] ، وقوله : (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) في سورة الأعراف [٢٤].
والمثوى : مكان الثواء ، والثواء : الاستقرار ، وتقدم في قوله : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) في الأنعام [١٢٨]. وعدل عن الإضافة فقيل (مَثْوىً لَهُمْ) بالتعليق باللام التي شأنها أن تنون في الإضافة ليفاد بالتنوين معنى التمكّن من القرار في النار مثوى ، أي مثوى قويا لهم لأن الإخبار عن النار في هذه الآية حصل قبل مشاهدتها ، فلذلك أضيفت في قوله : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) لأنه إخبار عنها وهم يشاهدونها في المحشر.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣))
عطف على جملة (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [محمد : ١٠] ، وما بينهما استطراد اتصل بعضه ببعض. وكلمة (كَأَيِّنْ) تدلّ على كثرة العدد ، وتقدم في سورة آل عمران وفي سورة الحج.
والمراد بالقرية : أهلها ، بقرينة قوله : (أَهْلَكْناهُمْ) ، وإنما أجري الإخبار على القرية وضميرها لإفادة الإحاطة بجميع أهلها وجميع أحوالهم وليكون لإسناد إخراج الرسول إلى القرية كلها وقع من التبعة على جميع أهلها سواء منهم من تولى أسباب الخروج ، ومن كان ينظر ولا ينهى قال تعالى : (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) [الممتحنة : ٩].
وهذا إطناب في الوعيد لأن مقام التهديد والتوبيخ يقتضي الإطناب ، فمفاد هذه الآية مؤكد لمفاد قوله : (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) [محمد : ١٠] ، فحصل توكيد ذلك بما هو مقارب له من إهلاك الأمم ذوات القرى والمدن بعد أن شمل قوله : (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من كان من أهل القرى ، وزاد هنا التصريح بأن الذين من قبلهم كانوا أشد قوة منهم ليفهموا أن إهلاك هؤلاء هيّن على الله ، فإنه لما كان التهديد السابق تهديدا بعذاب السيف من قوله : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] الآيات ، قد يلقي في نفوسهم غرورا فتعذّر استئصالهم بالسيف