(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦))
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً).
ضمير (وَمِنْهُمْ) عائد إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) [محمد : ١٢] الذين جرى ذكرهم غير مرة من أول السورة ، أي ومن الكافرين قوم يستمعون إليك ، وأراد بمن يستمع معهم المنافقين بقرينة قوله : (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ) وقوله : (خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ).
وليس المراد مجرد المستمعين مثل ما في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) [يونس : ٤٢] وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) [الأنعام : ٢٥] للفرق الواضح بين الأسلوبين ، وهذا صنف آخر من الكافرين الذين أسرّوا الكفر وتظاهروا بالإيمان ، وقد كان المنافقون بعد الهجرة مقصودين من لفظ الكفار. وهذه السورة نازلة بقرب عهد من الهجرة فلذلك ذكر فيها الفريقان من الكفار.
ومعنى (يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) : يحضرون مجلسك ويسمعون كلامك وما تقرأ عليهم من القرآن. وهذه صفة من يتظاهر بالإسلام فلا يعرضون عن سماع القرآن إعراض المشركين بمكة. روي عن الكلبي ومقاتل : أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت والحارث بن عمرو وزيد بن الصلت ومالك بن الدخشم (١).
والاستماع : أشد السمع وأقواه ، أي يستمعون باهتمام يظهرون أنهم حريصون على وعي ما يقوله الرسول صلىاللهعليهوسلم وأنهم يلقون إليه بالهم ، وهذا من استعمال الفعل في معنى إظهاره لا في معنى حصوله. وحق فعل استمع أن يعدّى إلى المفعول بنفسه كما في قوله : (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] فإذا أريد تعلقه بالشخص المسموع منه يقال : استمع إلى فلان كما قال هنا (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) ، وكذا جاء في مواقعه كلها من القرآن.
و (حَتَّى) في قوله : (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) ابتدائية و (إِذا) اسم زمان متعلق ب (قالُوا).
والمعنى : فإذا خرجوا من عندك قالوا إلخ.
__________________
(١) أي في أول المدة من الهجرة ثم حسن إسلام مالك بن الدخشم وشهد بدرا وشهد له النبي صلىاللهعليهوسلم بإخلاص إسلامه كما في حديث عتاب بن مالك في «صحيح البخاري».