إدراكه وتمكينه بالقدرة والآلات.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧))
جملة معترضة بين جملة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [الأنعام : ٢٥] وما فيهم عنها من قوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) [الزخرف : ٦٦] والواو اعتراضية. والمقصود من هذا الاعتراض : مقابلة فريق الضلالة بفريق الهداية على الأسلوب الذي أقيمت عليه هذه السورة كما تقدم في أولها. فهذا أسلوب مستمر وإن اختلفت مواقع جمله.
والمعنى : والذين شرح الله صدرهم للإيمان فاهتدوا لطف الله بهم فزادهم هدى وأرسخ الإيمان في قلوبهم ووفقهم للتقوى ، فاتقوا وغالبوا أهواءهم. وإيتاء التقوى مستعار لتيسير أسبابها إذ التقوى معنى نفساني ، والإيتاء يتعدى حقيقة للذوات. وإضافة التقوى إلى ضمير (الَّذِينَ اهْتَدَوْا) إيماء إلى أنهم عرفوا بها واختصت بهم.
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨))
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)
تفريع على ما مضى من وصف أحوال الكافرين من قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [محمد : ١٠ ـ ١٦] الشاملة لأحوال الفريقين ففرع عليها أن كلا الفريقين ينتظرون حلول الساعة لينالوا جزاءهم على سوء كفرهم فضمير ينظرون مراد به الكافرون لأن الكلام تهديد ووعيد ، ولأن المؤمنين ينتظرون أمورا أخر مثل النصر والشهادة ، قال تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢] الآية. والنظر هنا بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) [الأنعام : ١٥٨] الآية.
والاستفهام إنكار مشوب بتهكم ، وهو إنكار وتهكم على غائبين ، موجه إلى الرسولصلىاللهعليهوسلم ، أي لا تحسب تأخير مؤاخذتهم إفلاتا من العقاب ، فإنه مرجون إلى الساعة.
وهذا الاستفهام الإنكاري ناظر إلى قوله آنفا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد : ١٢].
والقصر الذي أفاده الاستثناء قصر ادعائي ، نزل انتظارهم ما يأملونه من المرغوبات