تفريع على (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها). وأنى اسم يدل على الحالة ، ويضمّن معنى الاستفهام كثيرا وهو هنا استفهام إنكاري ، أي كيف يحصل لهم الذكرى إذا جاءتهم الساعة ، والمقصود : إنكار الانتفاع بالذكرى حينئذ.
و (فَأَنَّى) مبتدأ ثان مقدم لأن الاستفهام له الصدارة. و (ذِكْراهُمْ) مبتدأ أول و (لَهُمْ) خبر عن (فَأَنَّى) ، وهذا التركيب مثل قوله تعالى : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) في سورة الدخان [١٣] ، وضمير (جاءَتْهُمْ) عائد إلى (السَّاعَةَ).
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩))
فرع على جميع ما ذكر من حال المؤمنين وحال الكافرين ومن عواقب ذلك ووعده أو وعيده أن أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بالثبات على ما له من العلم بوحدانية الله وعلى ما هو دأبه من التواضع لله بالاستغفار لذنبه ومن الحرص على نجاة المؤمنين بالاستغفار لهم لأن في ذلك العلم وذلك الدأب استمطار الخيرات له ولأمته والتفريع هذا مزيد مناسبة لقوله آنفا (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] الآية.
فالأمر في قوله : (فَاعْلَمْ) كناية عن طلب العلم وهو العمل بالمعلوم ، وذلك مستعمل في طلب الدوام عليه لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قد علم ذلك وعلمه المؤمنون ، وإذا حصل العلم بذلك مرة واحدة تقرر في النفس لأن العلم لا يحتمل النقيض فليس الأمر به بعد حصوله لطلب تحصيله بل لطلب الثبات فهو على نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦]. وأما الأمر في قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) فهو لطلب تجديد ذلك إن كان قد علمه النبي صلىاللهعليهوسلم من قبل وعمله أو هو لطلب تحصيله إن لم يكن فعله من قبل.
وذكر (الْمُؤْمِناتِ) بعد (لِلْمُؤْمِنِينَ) اهتمام بهن في هذا المقام وإلا فإن الغالب اكتفاء القرآن بذكر المؤمنين وشموله للمؤمنات على طريقة التغليب للعلم بعموم تكاليف الشريعة للرجال والنساء إلا ما استثني من التكاليف.
ومن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). قال ابن عيينة لما سئل عن فضل العلم : ألم تسمع قوله حين بدأ به (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). وترجم البخاري في كتاب العلم من «صحيحه» باب العلم