قبل القول والعمل لقول الله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فبدأ بالعلم.
وما يستغفر منه النبي صلىاللهعليهوسلم ليس من السيئات لعصمته منها ، وإنما هو استغفار من الغفلات ونحوها ، وتسميته بالذنب في الآية إما محاكاة لما كان يكثر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله : (اللهم اغفر لي خطيئتي) وإنما كان يقوله في مقام التواضع ، وإما إطلاق لاسم الذنب على ما يفوت من الازدياد في العبادة مثل أوقات النوم والأكل ، وإطلاقه على ما عناه النبيصلىاللهعليهوسلم في قوله : «إنه ليغان (١) على قلبي وإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة» (٢).
واللام في قوله : (لِذَنْبِكَ) لام التعيين بينت مفعولا ثانيا لفعل (اسْتَغْفِرْ) واللام في قوله (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) لام العلة ، أو بمعنى (عن) والمفعول محذوف ، أي استغفر الذنوب لأجل المؤمنين ، وفي الكلام حذف ، تقديره : وللمؤمنين لذنوبهم.
وجملة (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) تذييل جامع لأحوال ما تقدم. فالمتقلّب : مصدر بمعنى التقلب ، أوثر جلبه هنا لمزاوجة قوله : (وَمَثْواكُمْ). والتقلب : العمل المختلف ظاهرا كان كالصلاة ، أو باطنا كالإيمان والنصح.
والمثوى : المرجع والمثال ، أي يعلم الله أحوالكم جميعا من مؤمنين وكافرين ، وقدر لها جزاءها على حسب علمه بمراتبها ويعلم مصائركم وإنما أمركم ونهاكم وأمركم بالاستغفار خاصة لإجراء أحكام الأسباب على مسبباتها فلا تيأسوا ولا تهملوا.
[٢٠ ، ٢١] (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١))
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)
قد ذكرنا أن هذه السورة أنزلت بالمدينة وقد بدت قرون نفاق المنافقين ، فلما جرى
__________________
(١) يغان ، أي يغام ويغشى. وفسروا ذلك بالغفلات عن الذكر.
(٢) رواه مسلم وأبو داود.