يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) في سورة الأعراف [١٩١ ، ١٩٢].
و (أَمْ) حرف إضراب انتقالي. والاستفهام المقدر بعد (أَمْ) المنقطعة استفهام إنكاري أي ليس لهم شرك مع الله في السماوات. وإنما أوثر انتفاء الشركة بالنسبة للشركة في السماوات دون انتفاء الخلق كما أوثر انتفاء الخلق بالنسبة إلى الأرض لأن مخلوقات الأرض مشاهدة للناس ظاهر تطورها وحدوثها وأن ليس لما يدعونهم دون الله أدنى عمل في إيجادها ، وأما الموجودات السماوية فهي محجوبة عن العيون لا عهد للناس بظهور وجودها ولا تطورها فلا يحسن الاستدلال بعدم تأثير الأصنام في إيجاد شيء منها ولكن لمّا لم يدّع المشركون تصرفا للأصنام إلا في أحوال الناس في الأرض من جلب نفع أو دفع ضر اقتصر في نفي تصرفهم في السماوات على الاستدلال بنفي أن يكون للأصنام شركة في أمور السماوات لأن انتفاء ذلك لا ينازعون فيه. وتقدم نظير هذه الآية في سورة فاطر [٤٠] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية فانظر ذلك.
ثم انتقل من الاستدلال بالمشاهدة وبالإقرار إلى الاستدلال بالأخبار الصادقة بقوله : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) فجملة (ائْتُونِي بِكِتابٍ) في موقع مفعول ثان لفعل (أَرَأَيْتُمْ) ، كرر كما يتعدد خبر المبتدأ. ومناط الاستدلال أنه استدلال على إبطال دعوى المدعي بانعدام الحجة على دعواه ويسمى الإفحام كما تقدم. والمعنى : نفي أن يكون لهم حجة على إلهية الأصنام لا بتأثيرها في المخلوقات ، ولا بأقوال الكتب ، فهذا قريب من قوله في سورة فاطر [٤٠] (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ). والمراد ب (كتاب) أيّ كتاب من الكتب المقروءة. وهذا قاطع لهم فإنهم لا يستطيعون ادعاء أن لأصنامهم في الكتب السابقة ذكرا غير الإبطال والتحذير من عبادتها ، فلا يوجد في الكتب إلا أحد أمرين : إمّا إبطال عبادة الأصنام كما في الكتب السماوية ، وإمّا عدم ذكرها البتة ويدل على أن المراد ذلك قوله بعده : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ).
والإتيان مستعار للإحضار ولو كان في مجلسهم على ما تقدم في قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) في سورة البقرة [٢٣].
والإشارة في قوله : (مِنْ قَبْلِ هذا) إلى القرآن لأنه حاضر في أذهان أصحاب المحاجة فإنه يقرأ عليهم معاودة. ووجه تخصيص الكتاب بوصف أن يكون من قبل القرآن ليسد عليهم باب المعارضة بأن يأتوا بكتاب يصنع لهم ، كما قالوا : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ