في قوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) في سورة آل عمران [٧] ، أي لا تحتمل آيات تلك السورة المتعلّقة بالقتال إلا وجوب القتال وعدم الهوادة فيه مثل قوله : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] الآيات ، فلا جرم أن هذه السورة هي التي نزلت إجابة عن تمنّي الذين آمنوا. وإنما قال : (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) لأن السورة ليست كلها متمحضة لذكر القتال فإن سور القرآن ذوات أغراض شتّى.
والخطاب في (رَأَيْتَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا حقّ لقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [الأنعام : ٢٥].
و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم المبطنون للكفر فجعل الكفر الخفيّ كالمرض الذي مقره القلب لا يبدو منه شيء على ظاهر الجسد ، أي رأيت المنافقين على طريق الاستعارة. وقد غلب إطلاق هذه الصلة على المنافقين ، وأن النفاق مرض نفساني معضل لأنه تتفرع منه فروع بيناها في قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في سورة البقرة [١٠].
وانتصب (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) على المفعولية المطلقة لبيان صفة النظر من قوله : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) فهو على معنى التشبيه البليغ.
ووجه الشبه ثبات الحدقة وعدم التحريك ، أي ينظرون إليك نظر المتحيّر بحيث يتجه إلى صوب واحد ولا يشتغل بالمرئيات لأنه في شاغل عن النظر ، وإنما يوجهون أنظارهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إذ كانوا بمجلسه حين نزول السورة ، وكانوا يتظاهرون بالإقبال على تلقي ما ينطق به من الوحي فلما سمعوا ذكر القتال بهتوا ، فالمقصود المشابهة في هذه الصورة. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) في سورة الأحزاب [١٩].
و (مِنَ) هنا تعليلية ، أي المغشي عليه لأجل الموت ، أي حضور الموت.
وفرّع على هذا قوله : (فَأَوْلى لَهُمْ* طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ). وهذا التفريع اعتراض بين جملة (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) وبين جملة (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ).
ولفظ أولى هنا يجوز أن يكون مستعملا في ظاهره استعمال التفضيل على شيء غير مذكور يدل عليه ما قبله ، أي أولى لهم من ذلك الخوف الذي دل عليه نظرهم كالمغشي عليه من الموت ، أن يطيعوا أمر الله ويقولوا قولا معروفا وهو قول (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [البقرة : ٢٨٥] فذلك القول المعروف بين المؤمنين إذا دعوا أو أمروا كما قال