تعالى : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) في سورة النور [٥١].
وعلى هذا الوجه فتعدية (فَأَوْلى) باللام دون الباء للدلالة على أن ذلك أولى وأنفع ، فكان اجتلاب اللام للدلالة على معنى النفع. فهو مثل قوله تعالى : (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) [النور : ٣٠] وقوله : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨]. وهو يرتبط بقوله بعده (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ).
ويجوز أن يكون (فَأَوْلى لَهُمْ) مستعملا في التهديد والوعيد كما في قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) في سورة القيامة [٣٤ ، ٣٥] ، وهو الذي اقتصر الزمخشري عليه. ومعناه : أن الله أخبر عن توعده إياهم. ثم قيل على هذا الوجه إن أولى مرتبة حروفه على حالها من الولي وهو القرب ، وأن وزنه أفعل. وقال الجرجاني : هو في هذا الاستعمال مشتق من الويل. فأصل أولى : أويل ، أي أشد ويلا ، فوقع فيه قلب ، ووزنه أفلع. وفي «الصحاح» عن الأصمعي ما يقتضي : أنه يجعل (أولى له) مبتدأ محذوف الخبر. والتّقدير : أقرب ما يهلكه ، قال ثعلب : ولم يقل أحد في (أولى له) أحسن مما قال الأصمعي.
واللام على هذا الوجه إما مزيدة ، أي أولاهم الله ما يكرهون فيكون مثل اللام في قول النابغة :
سقيا ورعيا لذاك العاتب الزّاري
وإمّا متعلقة بأولى على أنه فعل مضى ، وعلى هذا الاستعمال يكون قوله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) كلاما مستأنفا وهو مبتدأ خبره محذوف ، أي طاعة وقول معروف خير لهم ، أو خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : الأمر طاعة ، وقول معروف ، أي أمر الله أن يطيعوا.
(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ).
تفريع على وصف حال المنافقين من الهلع عند سماع ذكر القتال فإنه إذا جدّ أمر القتال ، أي حان أن يندب المسلمون إلى القتال سيضطرب أمر المنافقين ويتسللون لواذا من حضور الجهاد ، وأن الأولى لهم حينئذ أن يخلصوا الإيمان ويجاهدوا كما يجاهد المسلمون الخلص وإلّا فإنهم لا محيص لهم من أحد أمرين : إمّا حضور القتال بدون نية