والأمر هو : شأن الشرك وما يلائم أهله ، أي نطيعكم في بعض الكفر ولا نطيعكم في جميع الشئون لأن ذلك يفضح نفاقهم ، أو المراد في بعض ما تأمروننا به من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كالخلق على المخلوق.
وأيّا ما كان فهم قالوا ذلك للمشركين سرّا فاطلع الله عليه نبيئه صلىاللهعليهوسلم ولذلك قال تعالى: (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ). وقرأ الجمهور (إِسْرارَهُمْ) بفتح الهمزة جمع سرّ. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بكسر الهمزة مصدر أسرّ.
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧))
الفاء يجوز أن تكون للتفريع على جملة (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) [محمد : ٢٥] الآية وما بينهما متصل بقوله : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) [محمد : ٢٥] بناء على المحمل الأول للارتداد فيكون التفريع لبيان ما سيلحقهم من العذاب عند الموت وهو استهلال لما يتواصل من عذابهم عن مبدإ الموت إلى استقرارهم في العذاب الخالد. ويجوز على المحمل الثاني وهو أن المراد الارتداد عن القتال وتكون الفاء فصيحة فيفيد : إذا كانوا فروا من القتال هلعا وخوفا فكيف إذا توفتهم الملائكة ، أي كيف هلعهم ووجلهم الذي ارتدوا بهما عن القتال. وهذا يقتضي شيئين : أولهما أنهم ميّتون لا محالة ، وثانيهما أن موتتهم يصحبها تعذيب.
فالأول مأخوذ بدلالة الالتزام وهو في معنى قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران: ١٦٨] وقوله : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة : ٨١].
والثاني هو صريح الكلام وهو وعيد لتعذيب في الدنيا عند الموت.
والمقصود : وعيدهم بأنهم سيعجل لهم العذاب من أول منازل الآخرة وهو حالة الموت. ولما جعل هذا العذاب محققا وقوعه رتب عليه الاستفهام عن حالهم استفهاما مستعملا في معنى تعجيب المخاطب من حالهم عند الوفاة ، وهذا التعجيب مؤذن بأنها حالة فظيعة غير معتادة إذ لا يتعجب إلّا من أمر غير معهود ، والسياق يدل على الفظاعة.
و (إِذا) متعلق بمحذوف دل عليه اسم الاستفهام ، تقديره : كيف حالهم أو عملهم حين تتوفاهم الملائكة.