حقيقيا لأنّ لهاته الأصنام مسميات وهي الحجارة أو البيوت التي يقصدونها بالعبادة ويجعلون لها سدنة.
وجملة (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) تعليل لمعنى القصر بطريقة الاكتفاء لأن كونها لا حقائق لها في عالم الشهادة أمر محسوس إذ ليست إلا حجارة.
وأما كونها لا حقائق لها من عالم الغيب فلأن عالم الغيب لا طريق إلى إثبات ما يحتويه إلا بإعلام من عالم الغيب سبحانه ، أو بدليل العقل كدلالة العالم على وجود الصانع وبعض صفاته والله لم يخبر أحدا من رسله بأن للأصنام أرواحا أو ملائكة ، مثل ما أخبر عن حقائق الملائكة والجن والشياطين.
والسلطان : الحجة ، وإنزالها من الله : الإخبار بها ، وهذا كناية عن انتفاء أن تكون عليها حجة لأن وجود الحجة يستلزم ظهورها ، فنفي إنزال الحجة بها من باب :
على لاحب لا يهتدي بمناره
أي لا منار له فيهتدى به.
وعبر عن الإخبار الموحى به بفعل (أنزل) لأنه إخبار يرد من العالم العلوي فشبّه بإدلاء جسم من أعلى إلى أسفل.
وكذلك عبّر عن إقامة دلائل الوجود بالإنزال لأن النظر الفكري من خلق الله فشبه بالإنزال كقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٤] ، فاستعمال (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) من استعمال اللفظ في معنييه المجازيين. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) في سورة الحج [٧١] ، وتقدم في سورة يوسف [٤٠] قوله : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).
وأكد نفي إنزال السلطان بحرف (من) الزائدة لتوكيد نفي الجنس.
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى).
هذا تحويل عن خطاب المشركين الذي كان ابتداؤه من أول السورة وهو من ضروب الالتفات ، وهو استئناف بياني فضمير (يَتَّبِعُونَ) عائد إلى الذين كان الخطاب موجها إليهم.