أعقب نفي أن تكون لهم حجة على الخصائص التي يزعمونها لأصنافهم أو على أن الله سماهم بتلك الأسماء بإثبات أنهم استندوا فيما يزعمونه إلى الأوهام وما تحبه نفوسهم من عبادة الأصنام ومحبة سدنتها ومواكب زيارتها ، وغرورهم بأنها تسعى في الوساطة لهم عند الله تعالى بما يرغبونه في حياتهم فتلك أوهام وأمانيّ محبوبة لهم يعيشون في غرورها.
وجيء بالمضارع في (يَتَّبِعُونَ) للدلالة على أنهم سيسمرّون على اتباع الظن وما تهواه نفوسهم وذلك يدل على أنهم اتبعوا ذلك من قبل بدلالة لحن الخطاب أو فحواه.
وأصل الظن الاعتقاد غير الجازم ، ويطلق على العلم الجازم إذا كان متعلقا بالمغيبات كما في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٤٦] ، وكثر إطلاقه في القرآن على الاعتقاد الباطل كقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) في سورة الأنعام [١١٦] ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وهو المراد هنا بقرينة عطف (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) عليه كما عطف (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) على نظيره في سورة الأنعام ، وهو كناية عن الخطأ باعتبار لزومه له غالبا كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات : ١٢].
وهذا التفنن في معاني الظن في القرآن يشير إلى وجوب النظر في الأمر المظنون حتى يلحقه المسلم بما يناسبه من حسن أو ذم على حسب الأدلة ، ولذلك استنبط علماؤنا أن الظن لا يغني في إثبات أصول الاعتقاد وأن الظن الصائب تناط به تفاريع الشريعة.
والمراد ب (ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) : ما لا باعث عليه إلا الميل الشهواني ، دون الأدلة فإن كان الشيء المحبوب قد دلت الأدلة على حقيقته فلا يزيده حبه إلا قبولا كما قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد» وقال : «وجعلت قرّة عيني في الصلاة».
فمناط الذم في هذه الآية هو قصر اتباعهم على ما تهواه أنفسهم.
ثم إن للظن في المعاملات بين الناس والأخلاق النفسانية أحكاما ومراتب غير ما له في الديانات أصولها وفروعها ، فمنه محمود ومنه مذموم ، كما قال تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقيل : الحزم سوء الظن بالناس.
والتعريف في (الْأَنْفُسُ) عوض عن المضاف إليه ، أي وما تهواه أنفسهم و (ما)