الرعاية للفاصلة.
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦))
لما بين الله أن أمور الدارين بيد الله تعالى وأن ليس للإنسان ما تمنّى ، ضرب لذلك مثالا من الأماني التي هي أعظم أمانيّ المشركين وهي قولهم في الأصنام (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، فبيّن إبطال قولهم بطريق فحوى الخطاب وهو أن الملائكة الذين لهم شرف المنزلة لأن الملائكة من سكان السماوات (فهم لا يستطيعون إنكار أنهم أشرف من الأصنام) لا يملكون الشفاعة إلا إذا أذن الله أن يشفع إذا شاء أن يقبل الشفاعة في المشفوع له ، فكيف يكون للمشركين ما تمنوا من شفاعة الأصنام للمشركين الذين يقولون (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) وهي حجارة في الأرض وليست ملائكة في السماوات ، فثبت أن لا شفاعة إلا لمن شاء الله ، وقد نفي الله شفاعة الأصنام فبطل اعتقاد المشركين أنهم شفعاؤهم ، فهذه مناسبة عطف هذه الجملة على جملة (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) [النجم : ٢٤]. وليس هذا الانتقال اقتضابا لبيان عظم أمر الشفاعة.
و (كَمْ) اسم يدل على كثرة العدد وهو مبتدأ والخبر (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ).
وقد تقدم الكلام على (كَمْ) في قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) في سورة البقرة [٢١١] ، وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) في الأعراف [٤].
و (فِي السَّماواتِ) صفة ل (مَلَكٍ). والمقصود منها بيان شرفهم بشرف العالم الذي هم أهله ، وهو عالم الفضائل ومنازل الأسرار.
وجملة (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) إلخ ، خبر عن (كَمْ) ، أي لا تغني شفاعة أحدهم فهو عام لوقوع الفعل في سياق النفي ، ولإضافة شفاعة إلى ضميرهم ، أي جميع الملائكة على كثرتهم وعلوّ مقدارهم لا تغني شفاعة واحد منهم.
و (شَيْئاً) مفعول مطلق للتعميم ، أي شيئا من الإغناء لزيادة التنصيص على عموم نفي إغناء شفاعتهم.