وقد حمّلهم الله بهاتين الجملتين تبعة أنفسهم وتبعة المغرورين بأقوالهم كما قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣].
[١٠ ، ١١] (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١))
دعاء بالهلاك على أصحاب ذلك القول المختلف لأن المقصود بقتلهم أن الله يهلكهم ، ولذلك يكثر أن يقال : قاتله الله ، ثم أجري مجرى اللعن والتحقير والتعجيب من سوء أحوال المدعو عليه بمثل هذا.
وجملة الدعاء لا تعطف لأنها شديدة الاتصال بما قبلها مما أوجب ذلك الوصف لدخولهم في هذا الدعاء ، كما كان تعقيب الجمل التي قبلها بها إيماء إلى أن ما قبلها سبب للدعاء عليهم ، وهذا من بديع الإيجاز.
والخرص : الظن الذي لا حجة لصاحبه على ظنه ، فهو معرّض للخطإ في ظنه ، وذلك كناية عن الضلال عمدا أو تساهلا ، فالخرّاصون هم أصحاب القول المختلف ، فأفاد أن قولهم المختلف ناشئ عن خواطر لا دليل عليها. وقد تقدم في الأنعام [١١٦] (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) فالمراد هنا الخرص بالقول في ذات الله وصفاته.
واعلم أن الخرص في أصول الاعتقاد مذموم لأنها لا تبنى إلا على اليقين لخطر أمرها وهو أصل محل الذم في هذه الآية. وأما الخرص في المعاملات بين الناس فلا يذم هذا الذّمّ وبعضه مذموم إذا أدى إلى المخاطرة والمقامرة. وقد أذن في بعض الخرص للحاجة. ففي «الموطأ» عن زيد بن ثابت وأبي هريرة «أن النبي صلىاللهعليهوسلم رخّص في بيع العرايا بخرصها» يعني في بيع ثمرة النخلات المعطاة على وجهة العريّة وهي هبة مالك النخل ثمر بعض نخله لشخص لسنة معينة فإن الأصل أن يقبض ثمرتها عند جذاذ النخل فإذا بدا لصاحب الحائط شراء تلك الثمرة قبل طيبها رخص أن يبيعها المعرى (بالفتح) للمعري بالكسر إذا أراد المعري ذلك فيخرص ما تحمله النخلات من الثمر على أن يعطيه عند الجذاذ ما يساوي ذلك المخروص إذا لم يكن كثيرا وحدد بخمسة أوسق فأقل ليدفع صاحب النخل عن نفسه تطرق غيره لحائطه ، وذلك لأن أصلها عطية فلم يدخل إضرار على المعري من ذلك.
والغمرة : المرة من الغمر ، وهو الإيحاء ويفسرها ما تضاف إليه كقوله تعالى : وَلَوْ