تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) [الأنعام : ٩٣] فإذا لم تقيد بإضافة فإن تعيينها بحسب المقام كقوله تعالى : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) في سورة المؤمنين [٥٤]. والمراد : في شغل ، أي ما يشغلهم من معاداة الإسلام شغلا لا يستطيعون معه أن يتدبروا في دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم.
والسهو : الغفلة. والمراد أنهم معرضون إعراضا كإعراض الغافل وما هم بغافلين فإن دعوة القرآن تقرع أسماعهم كل حين واستعمال مادة السهو في هذا المعنى نظير استعمالها في قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون : ٥].
[١٢ ـ ١٤] (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤))
هذه الجملة يجوز أن تكون حالا من ضمير (الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠] وأن تكون استئنافا بيانيا ناشئا عن جملة (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠] لأن جملة (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أفادت تعجيبا من سوء عقولهم وأحوالهم فهو مثار سؤال في نفس السامع يتطلب البيان ، فأجيب بأنهم يسألون عن يوم الدين سؤال متهكمين ، يعنون أنه لا وقوع ليوم الدين كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [النبأ : ١ ـ ٣].
و (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) مقول قول محذوف دلّ عليه (يَسْئَلُونَ) لأن في فعل السؤال معنى القول. فتقدير الكلام : يقولون : أيان يوم الدين. ولك أن تجعل جملة (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) بدلا من جملة (يَسْئَلُونَ) لتفصيل إجماله وهو من نوع البدل المطابق. و (أَيَّانَ) اسم استفهام عن زمان فعل وهو في محل نصب مبنيّ على الفتح ، أي متى يوم الدين ، ويوم الدين زمان فالسؤال عن زمانه آيل إلى السؤال باعتبار وقوعه ، فالتقدير : أيان وقوع يوم الدين ، أو حلوله ، كما تقول : متى يوم رمضان أي متى ثبوته لأن أسماء الزمان حقها أن تقع ظروفا للأحداث لا للأزمنة.
وجملة (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) جواب لسؤالهم جرى على الأسلوب الحكيم من تلقي السائل بغير ما يتطلب إذ هم حين قالوا : أيّان يوم الدين ، أرادوا التهكم والإحالة فتلقّي كلامهم بغير مرادهم لأن في الجواب ما يشفي وقع تهكمهم على طريقة قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) [البقرة : ١٨٩]. والمعنى : يوم الدين يقع يوم تصلون النار ويقال لكم : ذوقوا فتنتكم.