وتقديم (صُحُفِ مُوسى) لأنها اشتهرت بسعة ما فيها من الهدى والشريعة ، وأما صحف إبراهيم فكان المأثور منها أشياء قليلة. وقدّرت بعشر صحف ، أي مقدار عشر ورقات بالخط القديم ، تسع الورقة قرابة أربع آيات من آي القرآن بحيث يكون مجموع ملفي صحف إبراهيم مقدار أربعين أية.
وإنما قدم في سورة الأعلى صحف إبراهيم على صحف موسى مراعاة لوقوعهما بدلا من الصحف الأولى فقدم في الذكر أقدمهما.
وعندي أن تأخير ذكر صحف إبراهيم ليقع ما بعدها هنا جامعا لما احتوت عليه صحف إبراهيم فتكون صحف إبراهيم هي الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم المذكورة في قوله في سورة البقرة [١٢٤] : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) بكلمات فأتمهن أي بلغهن إلى قومه ومن آمن به ، ويكون قوله هنا (الَّذِي وَفَّى) في معنى قوله : (فَأَتَمَّهُنَ) في سورة البقرة [١٢٤].
ووصف إبراهيم بذلك تسجيل على المشركين بأن إبراهيم بلّغ ما أوحي إليه إلى قومه وذريته ولكن العرب أهملوا ذلك واعتاضوا عن الحنيفية بالإشراك.
وحذف متعلّق (وَفَّى) ليشمل توفيات كثيرة منها ما في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) وما في قوله تعالى : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [الصافات : ١٠٥].
وقوله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) يجوز أن يكون بدلا من ما في صحف موسى وإبراهيم بدل مفصّل من مجمل ، فتكون (أن) مخففة من الثقيلة. والتقدير : أم لم ينبّأ بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
ويجوز أن تكون (أن) تفسيرية فسّرت ما في صحف موسى وإبراهيم لأن ما من الصحف شيء مكتوب والكتابة فيها معنى القول دون حروفه فصلح «ما في صحف موسى» لأن تفسره (أن) التفسيرية. وقد ذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) [النجم : ٥٦] في هذه السورة عن السدّي عن أبي صالح قال : هذه الحروف التي ذكر الله تعالى من قوله : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ) إلى قوله : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) [النجم : ٥٦] كل هذه في صحف إبراهيم وموسى. و (تَزِرُ) مضارع وزر ، إذا فعل وزرا.
وتأنيث (وازِرَةٌ) بتأويل : نفس ، وكذلك تأنيث (أُخْرى) ، ووقوع «نفس»