والسعي : العمل والاكتساب ، وأصل السعي : المشي ، فأطلق على العمل مجازا مرسلا أو كناية. والمراد هنا عمل الخير بقرينة ذكر لام الاختصاص وبأن جعل مقابلا لقوله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [النجم : ٣٨].
والمعنى : لا تحصل لأحد فائدة عمل إلا ما عمله بنفسه ، فلا يكون له عمل غيره ، ولام الاختصاص يرجح أن المراد ما سعاه من الأعمال الصالحة ، وبذلك يكون ذكر هذا تتميما لمعنى (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، احتراسا من أن يخطر بالبال أن المدفوع عن غير فاعله هو الوزر ، وإنّ الخير ينال غير فاعله.
ومعنى الآية محكي في القرآن عن إبراهيم في قوله عنه : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٩].
وهذه الآية حكاية عن شرعي إبراهيم وموسى ، وإذ قد تقرر أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ، تدل هذه الآية على أن عمل أحد لا يجزئ عن أحد فرضا أو نفلا على العين ، وأما تحمل أحد حمالة لفعل فعله غيره مثل ديات القتل الخطأ فذلك من المؤاساة المفروضة.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ومحملها : فعن عكرمة أن قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) حكاية عن شريعة سابقة فلا تلزم في شريعتنا يريد أن شريعة الإسلام نسخت ذلك فيكون قبول عمل أحد عن غيره من خصائص هذه الأمة.
وعن الربيع بن أنس أنه تأول (الإنسان) في قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) بالإنسان الكافر ، وأما المؤمن فله سعيه وما يسعى له غيره.
ومن العلماء من تأول الآية على أنها نفت أن تكون للإنسان فائدة ما عمله غيره إذا لم يجعل الساعي عمله لغيره. وكأنّ هذا ينحو إلى أن استعمال (سَعى) في الآية من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه العقليين. ونقل ابن الفرس : أن من العلماء من حمل الآية على ظاهرها وأنه لا ينتفع أحد بعمل غيره ، ويؤخذ من كلام ابن الفرس أن ممن قال بذلك الشافعي في أحد قوليه بصحة الإجارة على الحج.
واعلم أن أدلة لحاق ثواب بعض الأعمال إلى غير من عملها ثابتة على الجملة وإنما تتردد الأنظار في التفصيل أو التعميم ، وقد قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ) ذرياتهم (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الطور : ٢١] ، وقد بيناه في