وهي من مقول القول.
[١٥ ـ ١٩] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩))
اعتراض قابل به حال المؤمنين في يوم الدين جرى على عادة القرآن في اتباع النّذارة بالبشارة ، والترهيب بالترغيب.
وقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) نظير قوله في سورة الدخان [٥١ ، ٥٢] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
وجمع (جَنَّاتٍ) باعتبار جمع المتقين وهي جنات كثيرة مختلفة وفي الحديث : «إنها لجنان كثيرة ، وإنه لفي الفردوس» ، وتنكير (جَنَّاتٍ) للتعظيم.
ومعنى (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) : أنهم قابلون ما أعطاهم ، أي راضون به فالأخذ مستعمل في صريحه وكنايته كناية رمزية عن كون ما يؤتونه أكمل في جنسه لأن مدارك الجماعات تختلف في الاستجادة حتى تبلغ نهاية الجودة فيستوي الناس في استجادته ، وهي كناية تلويحية. وأيضا فالأخذ مستعمل في حقيقته ومجازه لأن ما يؤتيهم الله بعضهم مما يتناول باليد كالفواكه والشراب والرياحين ، وبعضه لا يتناول باليد كالمناظر الجميلة والأصوات الرقيقة والكرامة والرضوان وذلك أكثر من الأول.
فإطلاق الأخذ على ذلك استعارة بتشبيه المعقول بالمحسوس كقوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) في سورة البقرة [٦٣] ، وقوله : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) في سورة الأعراف [١٤٥].
فاجتمع في لفظ (آخِذِينَ) كنايتان ومجاز. روى أبو سعيد الخدري عن النبيصلىاللهعليهوسلم «أن الله تعالى يقول : يا أهل الجنة. فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
وفي إيثار التعبير عن الجلالة بوصف (ربّ) مضاف إلى ضمير المتقين معنى من