محبة أصنامهم ، وإلف لعوائدهم ، وحفاظ على أنفتهم.
(وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ).
هذا تذييل للكلام السابق من قوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا) إلى قوله : (أَهْواءَهُمْ) [القمر : ٢ ، ٣] ، فهو اعتراض بين جملة (وَكَذَّبُوا) وجملة (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) [القمر : ٤] ، والواو اعتراضية وهو جار مجرى المثل.
و (كُلُ) من أسماء العموم. وأمر : اسم يدل على جنس عال ومثله شيء ، وموجود ، وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) [النساء : ٨٣] وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصّص شيء في قوله تعالى عن ريح عاد (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف : ٢٥] أي من الأشياء القابلة للتدمير. وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهبها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حينا كعوارض مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فرص تمكنها من ظهور الآثار والخصائص.
والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختلف الطرق بين بعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب. وهي تمثيلية مكنية لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حذف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر.
ومن هذا المعنى قوله تعالى : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام : ٦٧] وقد أخذه الكميت بن زيد في قوله :
فالآن صرت إلى أمي |
|
ة والأمور إلى مصائر |
فالمراد بالاستقرار الذي في قوله : (مُسْتَقِرٌّ) الاستقرار في الدنيا.
وفي هذا تعريض بالإيماء إيماء إلى أن أمر دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم سيرسخ ويستقر بعد تقلقله.
ومستقر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قرّ ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب.