وقرأ الجمهور برفع الراء من (مُسْتَقِرٌّ). وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل (كُلُّ أَمْرٍ) عطفا على (السَّاعَةُ) [القمر : ١]. والتقدير : واقترب كل أمر. وجعل (مُسْتَقِرٌّ) صفة (أَمْرٍ).
والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ولا يعوق إنتاجها. فأمر النبيصلىاللهعليهوسلم صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأتباع.
وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتهديدا للمشركين واستدعاء لنظر المترددين.
[٤ ، ٥] (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥))
عطف على جملة (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [القمر : ٣] أي جاءهم في القرآن من أنباء الأمم ما فيه مزدجر لهؤلاء ، أو أريد بالأنباء الحجج الواردة في القرآن ، أي جاءهم ما هو أشد في الحجة من انشقاق القمر. و (مِنَ الْأَنْباءِ) بيان ما فيه مزدجر قدم على المبين و (مِنَ) بيانية.
والمزدجر : مصدر ميمي ، وهو مصاغ بصيغة اسم المفعول الذي فعله زائد على ثلاثة أحرف. ازدجره بمعنى زجره ، ومادة الافتعال فيه للمبالغة. والدال بدل من تاء الافتعال التي تبدل بعد الزاي إلّا مثل ازداد ، أي ما فيه مانع لهم من ارتكاب ما ارتكبوه. والمعنى : ما هو زاجر لهم فجعل الازدجار مظروفا فيه مجازا للمبالغة في ملازمته له على طريقة التجريد كقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١] أي هو أسوة.
و (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) بدل من (ما) ، أي جاءهم حكمة بالغة.
والحكمة : إتقان الفهم وإصابة العقل. والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة ، فوصف الكلام بالحكمة مجاز عقلي كثير الاستعمال ، وتقدم في سورة البقرة