والهجوع : النوم الخفيف وهو الغرار.
ودلت الآية على أنهم كانوا يهجعون قليلا من الليل وذلك اقتداء بأمر الله تعالى نبيئهصلىاللهعليهوسلم بقوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [المزمل : ٢ ـ ٤] وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يأمرهم بذلك كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص «أن رسول الله قال له : لم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قال : نعم. قال : لا تفعل إنك إن فعلت ذلك نفهت النفس وهجمت العين. وقال له : قم ونم ، فإن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا».
وقد اشتملت هذه الجملة على خصائص من البلاغة :
أولاها : فعل الكون في قوله : (كانُوا) الدال على أن خبرها سنّة متقررة.
الثاني : العدول عن أن يقال : كانوا يقيمون الليل ، أو كانوا يصلّون في جوف الليل ، إلى قوله : (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) لأن في ذكر الهجوع تذكيرا بالحالة التي تميل إليها النفوس فتغلبها وتصرفها عن ذكر الله تعالى وهو من قبيل قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة : ١٦] ، فكان في الآية إطناب اقتضاه تصوير تلك الحالة ، والبليغ قد يورد في كلامه ما لا تتوقف عليه استفادة المعنى إذا كان يرمي بذلك إلى تحصيل صور الألفاظ المزيدة.
الثالث : التصريح بقوله : (مِنَ اللَّيْلِ) للتذكير بأنهم تركوا النوم في الوقت الذي من شأنه استدعاء النفوس للنوم فيه زيادة في تصوير جلال قيامهم الليل وإلا فإن قوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) يفيد أنه من الليل.
الرابع : تقييد الهجوع بالقليل للإشارة إلى أنهم لا يستكملون منتهى حقيقة الهجوع بل يأخذون منه قليلا. وهذه الخصوصية فاتت أبا قيس بن الأسلت في قوله :
قد حصت البيضة راسي فما |
|
أطعم نوما غير تهجاع |
الخامس : المبالغة في تقليل هجوعهم لإفادة أنه أقل ما يهجعه الهاجع.
وانتصب (قَلِيلاً) على الظرف لأنه وصف بالزمان بقوله : (مِنَ اللَّيْلِ). والتقدير : زمنا قليلا من الليل ، والعامل في الظرف (يَهْجَعُونَ). و (مِنَ اللَّيْلِ) تبعيض.
ثم أتبع ذلك بأنهم يستغفرون في السحر ، أي فإذا آذن الليل بالانصرام سألوا الله أن