(يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ)
استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلا عن مجمل هذا الوعيد. وهذا الاستئناف وقع معترضا بين جملة (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) [القمر : ٤] وجملة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) [القمر : ٩].
وإذ قد كان المتوعد به شيئا يحصل يوم القيامة قدم الظرف على عامله وهو (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) ليحصل بتقديمه إجمال يفصّله بعض التفصيل ما يذكر بعده ، فإذا سمع السامع هذا الظرف علم أنه ظرف لأهوال تذكر بعده هي تفصيل ما أجمله قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) من الوعيد بحيث لا يحسن وقع شيء مما في هذه الجملة هذا الموقع غير هذا الظرف ، ولو لا تقديمه لجاء الكلام غير موثوق العرى ، وانظر كيف جمع فيما بعد قوله: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) كثيرا من الأهوال آخذ بعضها بحجز بعض بحسن اتصال ينقل كل منها ذهن السامع إلى الذي بعده من غير شعور بأنه يعدّد له أشياء.
وقد عدّ سبعة من مظاهر الأهوال :
أولها : دعاء الداعي فإنه مؤذن بأنهم محضرون إلى الحساب ، لأن مفعول (يَدْعُ) محذوف بتقدير : يدعوهم الداعي لدلالة ضمير (عَنْهُمْ) على تقدير المحذوف.
الثاني : أنه يدعو إلى شيء عظيم لأن ما في لفظ (شَيْءٍ) من الإبهام يشعر بأنه مهول ، وما في تنكيره من التعظيم يجسم ذلك الهول.
وثالثها : وصف شيء بأنه (نُكُرٍ) ، أي موصوف بأنه تنكره النفوس وتكرهه.
والنكر بضمتين : صفة ، وهذا الوزن قليل في الصفات ، ومنه قولهم : روضة أنف ، أي جديدة لم ترعها الماشية ، ورجل شلل ، أي خفيف سريع في الحاجات ، ورجل سجح بجيم قبل الحاء ، أي سمح ، وناقة أجد : قوية موثقة فقار الظهر ، ويجوز إسكان عين الكلمة فيها للتخفيف وبه قرأ ابن كثير هنا.
ورابعها : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) أي ذليلة ينظرون من طرف خفي لا تثبت أحداقهم في وجوه الناس ، وهي نظرة الخائف المفتضح وهو كناية لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما.