وهذا الوجه يتأتّى في قوله تعالى : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي) في سورة سبأ [٤٥].
ويجوز أن يكون قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) إخبارا عن تكذيبهم بتفرد الله بالإلهية حين تلقوه من الأنبياء الذين كانوا قبل نوح ولم يكن قبله رسول وعلى هذا الوجه يكون التفريع ظاهرا.
و (ازْدُجِرَ) معطوف على (قالُوا) وهو افتعل من الزجر. وصيغة الافتعال هنا للمبالغة مثلها : افتقر واضطر.
ونكتة بناء الفعل للمجهول هنا التوصل إلى حذف ما يسند إليه فعل الازدجار المبني للفاعل وهو ضمير (قَوْمُ نُوحٍ) ، فعدل على أن يقال : وازدجروه ، إلى قوله : (وَازْدُجِرَ) محاشاة للدّال على ذات نوح وهو ضمير من أن يقع مفعولا لضميرهم. ومرادهم أنهم ازدجروه ، أي نهوه عن ادعاء الرسالة بغلظة قال تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [الأعراف : ٦٦] وقال : (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] وقال : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) [هود : ٣٨].
[١٠ ـ ١٤] (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤))
تفريع على (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) [القمر : ٩] وما تفرع عليه.
والمغلوب مجاز ، شبه يأسه من إجابتهم لدعوته بحال الذي قاتل أو صارع فغلبه مقاتله ، وقد حكى الله تعالى في سورة نوح كيف سلك مع قومه وسائل الإقناع بقبول دعوته فأعيته الحيل.
و (أَنِّي) بفتح الهمزة على تقدير باء الجر محذوفة ، أي دعا بأني مغلوب ، أي بمضمون هذا الكلام في لغته.
وحذف متعلق (فَانْتَصِرْ) للإيجاز وللرعي على الفاصلة والتقدير : فانتصر لي ، أي انصرني.