وجملة (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) إلى آخرها مفرعة على جملة (فَدَعا رَبَّهُ) ، ففهم من التفريع أن الله استجاب دعوته وأن إرسال هذه المياه عقاب لقوم نوح. وحاصل المعنى : فأرسلنا عليهم الطوفان بهذه الكيفية المحكمة السريعة.
وقرأ الجمهور (فَفَتَحْنا) بتخفيف التاء. وقرأه ابن عامر بتشديدها على المبالغة. والفتح بمعنى شدة هطول المطر.
وجملة (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) مركب تمثيلي لهيئة اندفاق الأمطار من الجو بهيئة خروج الجماعات من أبواب الدار على طريقة :
وسالت بأعناق المطيّ الأباطح
والمنهمر : المنصب ، أي المصبوب يقال : عمر الماء إذا صبه ، أي نازل بقوة.
والتفجير : إسالة الماء ، يقال : تفجر الماء ، إذا سال ، قال تعالى : (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠].
وتعدية (فَجَّرْنَا) إلى اسم الأرض تعدية مجازية إذ جعلت الأرض من كثرة عيونها كأنها عين تتفجر. وفي هذا إجمال جيء من أجله بالتمييز له بقوله : (عُيُوناً) لبيان هذه النسبة ، وقد جعل هذا ملحقا بتمييز النسبة لأنه محول عن المفعول إذ المعنى : وفجرنا عيون الأرض ، وهو مثل المحول عن الفاعل في قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ، أي شيب الرأس إذ لا فرق بينهما ، ونكتة ذلك واحدة. قال في «المفتاح» : «إسناد الاشتعال إلى الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب الرأس ، واشتعل الرأس شيبا وزان اشتعلت النار في بيتي واشتعل بيتي نارا» اه.
والتقاء الماء : تجمع ماء الأمطار مع ماء عيون الأرض فالالتقاء مستعار للاجتماع ، شبه الماء النازل من السماء والماء الخارج من الأرض بطائفتين جاءت كل واحدة من مكان فالتقتا في مكان واحد كما يلتقي الجيشان.
والتعريف في (الْماءُ) للجنس. وعلم من إسناد الالتقاء أنهما نوعان من الماء ماء المطر وماء العيون.
و (عَلى) من قوله : (عَلى أَمْرٍ) يجوز أن تكون بمعنى (في) كقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [القصص : ١٥] ، وقول الفرزدق :