لدعوته ولنصره فهو المقصود الأول من هذا الحمل ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) [الأعراف : ٧٢] وقوله : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) [المؤمنون : ٢٨] ونحوه من الآيات الدالة على أنه المقصود بالإنجاء وأن نجاة قومه بمعيته ، وحسبك قوله تعالى في تذييل هذه الآية (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) فإن الذي كان كفر هو نوح كفر به قومه.
و (عَلى) للاستعلاء المجازي وهو التمكن كقوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) ، وإلا فإن استقراره في السفينة كائن في جوفها كما قال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١] (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود : ٤٠].
والباء في (بِأَعْيُنِنا) للملابسة.
والأعين : جمع عين بإطلاقه المجازي ، وهو الاهتمام والعناية ، كقول النابغة :
علمتك ترعاني بعين بصيرة
وقال تعالى : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨].
وجمع العين لتقوية المعنى لأن الجمع أقوى من المفرد ، أي بحراسات منّا وعنايات. ويجوز أن يكون الجمع باعتبار أنواع العنايات بتنوع آثارها. وأصل استعمال لفظ العين في مثله تمثيل بحال الناظر إلى الشيء المحروس مثل الراعين كما يقال للمسافر : «عين الله عليك» ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فجمع بذلك الاعتبار. وتقدم في سورة هود.
و (جَزاءً) مفعول لأجله لفتحنا وما عطف عليه ، أي : فعلنا ذلك كله جزاء لنوح. و (لِمَنْ كانَ كُفِرَ) هو نوح فإن قومه كفروا به ، أي لم يؤمنوا بأنه رسول وكان كفرهم به منذ جاءهم بالرسالة فلذلك أقحم هنا فعل (كانَ) ، أي لمن كفر منذ زمان مضى وذلك ما حكي في سورة نوح [٥ ـ ٩] بقوله : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) إلى قوله : (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً).
وحذف متعلق (كُفِرَ) لدلالة الكلام عليه. وتقديره : كفر به ، أو لأنه نصح لهم ولقي في ذلك أشد العناء فلم يشكروا له بل كفروه فهو مكفور فيكون من باب قوله تعالى : (وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢].