والتحضيض موجه إلى جميع من تبلغه هذه الآيات و (مِنْ) زائدة للدلالة على عموم الجنس في الإثبات على الأصح من القولين.
و (مُدَّكِرٍ) أصله : مذتكر مفتعل من الذكر بضم الذال ، وهو التفكر في الدليل فقلبت تاء الافتعال دالا لتقارب مخرجيهما ، وأدغم الذال في الدال لذلك ، وقراءة هذه الآية مروية بخصوصها عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وتقدم في سورة يوسف [٤٥] (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦))
تفريع على القصة بما تضمنته من قوله : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) [القمر : ١١] إلى آخره. و (كيف) للاستفهام عن حالة العذاب. وهو عذاب قوم نوح بالطوفان والاستفهام مستعمل في التعجيب من شدة هذا العذاب الموصوف. والجملة في معنى التذييل وهو تعريض بتهديد المشركين أن يصيبهم عذاب جزاء تكذيبهم الرسول صلىاللهعليهوسلم وإعراضهم وأذاهم كما أصاب قوم نوح.
وحذف ياء المتكلم من (نُذُرِ) وأصله : نذري. وحذفها في الكلام في الوقف فصيح وكثر في القرآن عند الفواصل.
والنذر : جمع نذير الذي هو اسم مصدر أنذر كالنذارة وتقدم آنفا في هذه السورة وإنما جمعت لتكرر النذارة من الرسول لقومه طلبا للإيمانهم.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧))
لمّا كانت هذه النذارة بلغت بالقرآن والمشركون معرضون عن استماعه حارمين أنفسهم من فوائده ذيّل خبرها بتنويه شأن القرآن بأنه من عند الله وأن الله يسّره وسهله لتذكّر الخلق بما يحتاجونه من التذكير مما هو هدى وإرشاد. وهذا التيسير ينبئ بعناية الله به مثل قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] تبصرة للمسلمين ليزدادوا إقبالا على مدارسته وتعريضا بالمشركين عسى أن يرعووا عن صدودهم عنه كما أنبأ عنه قوله :(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وتأكيد الخبر باللام وحرف التحقيق مراعى فيه حال المشركين الشاكين في أنه من عند الله.
والتيسير : إيجاد اليسر في شيء ، من فعل كقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة: ١٨٥]