بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده».
واللام في قوله : (لِلذِّكْرِ) متعلقة ب (يَسَّرْنَا) وهي ظرف لغو غير مستقر ، وهي لام تدل على أن الفعل الذي تعلقت به فعل لانتفاع مدخول هذه اللام به فمدخولها لا يراد منه مجرد تعليل فعل الفاعل كما هو معنى التعليل المجرد ومعنى المفعول لأجله المنتصب بإضمار لام التعليل البسيطة ، ولكن يراد أن مدخول هذه اللام علة خاصة مراعاة في تحصيل فعل الفاعل لفائدته ، فلا يصح أن يقع مدخول هذه اللام مفعولا لأن المفعول لأجله علة بالمعنى الأعمّ ومدخول هذه اللام علة خاصّة فالمفعول لأجله بمنزلة سبب الفعل وهو كمدخول باء السببية في نحو (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ، ومجرور هذه اللام بمنزلة مجرور باء الملابسة في نحو (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، وهو أيضا شديد الشبه بالمفعول الأول في باب كسا وأعطى ، فهذه اللام من القسم الذي سماه ابن هشام في «مغني اللبيب» : شبه التمليك. وتبع في ذلك ابن مالك في «شرح التسهيل».
وأحسن من ذلك تسمية ابن مالك إياه في «شرح كافيته» وفي «الخلاصة» معنى التعدية. ولقد أجاد في ذلك لأن مدخول هذه اللام قد تعدى إليه الفعل الذي تعلقت به اللام تعدية مثل تعدية الفعل المتعدي إلى المفعول ، وغفل ابن هشام عن هذا التدقيق ، وهو المعنى الخامس من معاني اللام الجارة في «مغني اللبيب» وقد مثله بقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الشورى : ١١] ، ومثّل له ابن مالك في «شرح التسهيل» بقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) [مريم : ٥] ، ومن الأمثلة التي تصلح له قوله تعالى : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [يس : ٧٢] وقوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) [الأعلى : ٨] وقوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل : ٧] وقوله: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ١٠] ، ألا ترى أن مدخول اللام في هذه الأمثلة دال على المنتفعين بمفاعيل أفعالها فهم مثل أول المفعولين من باب كسا.
وإنما بسطنا القول في هذه اللام لدقة معناها وليتّضح معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ).
وأصل معاني لام الجر هو التعليل وتنشأ من استعمال اللام في التعليل المجازي معان شاعت فساوت الحقيقة فجعلها النحويون معاني مستقلة لقصد الإيضاح.
والذكر : مصدر ذكر الذي هو التذكر العقلي لا اللساني ، والذي يرادفه الذكر بضم