الذال اسما للمصدر ، فالذكر هو تذكر ما في تذكره نفع ودفع ضر ، وهو الاتعاظ والاعتبار.
فصار معنى (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أن القرآن سهلت دلالته لأجل انتفاع الذكر بذلك التيسير ، فجعلت سرعة ترتب التذكر على سماع القرآن بمنزلة منفعة للذكر لأنه يشيع ويروج بها كما ينتفع طالب شيء إذا يسرت له وسائل تحصيله ، وقربت له أباعدها. ففي قوله : (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) استعارة مكنية ولفظ (يَسَّرْنَا) تخييل. ويؤول المعنى إلى : يسرنا القرآن للمتذكرين.
وفرع على هذا المعنى قوله : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ). والقول فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفا ، إلا أن بين الادّكارين فرقا دقيقا ، فالادّكار السالف ادّكار اعتبار عن مشاهدة آثار الأمة البائدة ، والادّكار المذكور هنا ادكار عن سماع مواعظ القرآن البالغة وفهم معانيه والاهتداء به.
[١٨ ـ ٢٠] (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠))
موقع هذه الجملة كموقع جملة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) [القمر : ٩] فكان مقتضى الظاهر أن تعطف عليها ، وإنما فصلت عنها ليكون في الكلام تكرير التوبيخ والتهديد والنعي عليهم عقب قوله : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) [القمر : ٤ ، ٥]. ومقام التوبيخ والنعي يقتضي التكرير.
والحكم على عاد بالتكذيب عموم عرفي بناء على أن معظمهم كذبوه وما آمن به إلا نفر قليل قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) [هود : ٥٨].
وفرع على التذكير بتكذيب عاد قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) قبل أن يذكر في الكلام ما يشعر بأن الله عذبهم فضلا عن وصف عذابهم.
فالاستفهام مستعمل في التشويق للخبر الوارد بعده وهو مجاز مرسل لأن الاستفهام يستلزم طلب الجواب والجواب يتوقف على صفة العذاب وهي لمّا تذكر فيحصل الشوق إلى معرفتها وهو أيضا مكنى به عن تهويل ذلك العذاب.
وفي هذا الاستفهام إجمال لحال العذاب وهو إجمال يزيد التشويق إلى ما يبينه بعده