منجز وعده ولا يزيد ذلك الكافرين إلا غرورا فلا يعيروه جانب اهتمامهم وأخذ العدة لمقاومته كما قال تعالى في نحو ذلك : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [الأنفال : ٤٤].
والتعريف في (الْجَمْعُ) للعهد ، أي الجمع المعهود من قوله : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) والمعنى : سيهزم جمعهم. وهذا معنى قول النحاة : اللام عوض عن المضاف إليه.
والهزم : الغلب ، والسين لتقريب المستقبل ، كقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) [آل عمران : ١٢]. وبني الفعل للمجهول لظهور أن الهازم المسلمون.
و (يُوَلُّونَ) : يجعلون غيرهم يلي ، فهو يتعدى بالتضعيف إلى مفعولين ، وقد حذف مفعوله الأول هنا للاستغناء عنه إذ الغرض الإخبار عنهم بأنهم إذا جاء الوغى يفرون ويولّونكم الأدبار.
و (الدُّبُرَ) : الظهر ، وهو ما أدبر ، أي كان وراء ، وعكسه القبل.
والآية : إخبار بالغيب ، فإن المشركين هزموا يوم بدر ، وولوا الأدبار يومئذ ، وولوا الأدبار في جمع آخر وهو جمع الأحزاب في غزوة الخندق ففرّوا بليل كما مضى في سورة الأحزاب وقد ثبت في «الصحيح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما خرج لصف القتال يوم بدر تلا هذه الآية قبل القتال ، إيماء إلى تحقيق وعد الله بعذابهم في الدنيا.
وأفرد الدبر ، والمراد الجمع لأنه جنس يصدق بالمتعدد ، أي يولي كل أحد منهم دبره ، وذلك لرعاية الفاصلة ومزاوجة القرائن ، على أن انهزام الجمع انهزامة واحدة ولذلك الجيش جهة تولّ واحدة. وهذا الهزم وقع يوم بدر.
روي عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال : «لما نزلت (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) جعلت أقول : أيّ جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يثب في الدرع ، ويقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)» اه ، أي لم يتبين له المراد بالجمع الذي سيهزم ويولّي الدبر فإنه لم يكن يومئذ قتال ولا كان يخطر لهم ببال.
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦))
(بَلِ) للإضراب الانتقالي ، وهو انتقال من الوعيد بعذاب الدنيا كما حل بالأمم قبلهم ، إلى الوعيد بعذاب الآخرة. قال تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ