سبب النزول على كل ما نزلت الآية للدلالة عليه ولو كانت الآية سابقة على ما عدّوه من السبب.
واعلم أن الآية صريحة في أن كل ما خلقه الله كان بضبط جاريا على حكمة ، وأما تعيين ما خلقه الله مما ليس مخلوقا له من أفعال العباد مثلا عند القائلين بخلق العباد أفعالهم كالمعتزلة أو القائلين بكسب العبد كالأشعرية ، فلا حجة بالآية عليهم لاحتمال أن يكون مصب الإخبار هو مضمون (خَلَقْناهُ) أو مضمون (بِقَدَرٍ) ، ولاحتمال عموم (كُلَّ شَيْءٍ) للتخصيص ، ولاحتمال المراد بالشيء ما هو ، وليس نفي حجيّة هذه الآية على إثبات القدر الذي هو محل النزاع بين الناس بمبطل ثبوت القدر من أدلة أخرى.
وحقيقة القدر الاصطلاحي خفيّة فإن مقدار تأثر الكائنات بتصرفات الله تعالى وبتسبب أسبابها ونهوض موانعها لم يبلغ علم الإنسان إلى كشف غوامضه ومعرفة ما مكّن الله الإنسان من تنفيذ لما قدّره الله ، والأدلة الشرعية والعقلية تقتضي أن الأعمال الصالحة والأعمال السيئة سواء في التأثر لإرادة الله تعالى وتعلق قدرته إذا تعلقت بشيء ، فليست نسبة آثار الخير إلى الله دون نسبة أثر الشر إليه إلا أدبا مع الخالق لقنه الله عبيده ، ولو لا أنها منسوبة في التأثر لإرادة الله تعالى لكانت التفرقة بين أفعال الخير وأفعال الشر في النسبة إلى الله ملحقة باعتقاد المجوس بأنّ للخير إلها وللشر إلها ، وذلك باطل لقول النبيصلىاللهعليهوسلم : «وتؤمن بالقدر خيره وشره» ، وقوله : «القدرية مجوس هذه الأمة» رواه أبو داود بسنده إلى ابن عمر مرفوعا.
وانتصب (كُلَّ شَيْءٍ) على المفعولية ل (خَلَقْناهُ) على طريقة الاشتغال ، وتقديمه على (خَلَقْناهُ) ليتأكد مدلوله بذكر اسمه الظاهر ابتداء ، وذكر ضميره ثانيا ، وذلك هو الذي يقتضي العدول إلى الاشتغال في فصيح الكلام العربي فيحصل توكيد للمفعول بعد أن حصل تحقيق نسبة الفعل إلى فاعله بحرف إن المفيد لتوكيد الخبر وليتصل قوله : (بِقَدَرٍ) بالعامل فيه وهو (خَلَقْناهُ) ، لئلا يلتبس بالنعت لشيء لو قيل : إنا خلقنا كل شيء بقدر ، فيظن أن المراد : أنا خلقنا كل شيء مقدّر فيبقى السامع منتظرا لخبر إن.
(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠))
عطف على قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] فهو داخل في التذييل ، أي خلقناه كل شيء بعلم ، فالمقصود منه وما يصلح له معلوم لنا فإذا جاء وقته الذي أعددناه