وقوله : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) في موضع الحال من (أَمْرُنا) باعتبار الإخبار عنه بأنه كلمة واحدة ، أي حصول مرادنا بأمرنا كلمح بالبصر ، وهو تشبيه في سرعة الحصول ، أي ما أمرنا إلا كلمة واحدة سريعة التأثير في المتعلّقة هي به كسرعة لمح البصر.
وهذا التشبيه في تقريب الزمان أبلغ ما جاء في الكلام العربي وهو أبلغ من قول زهير :
فهن ووادي الرسّ كاليد للفم
وقد جاء في سورة النحل [٧٧] (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) فزيد هنالك (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) لأن المقام للتحذير من مفاجأة الناس بها قبل أن يستعدوا لها فهو حقيق بالمبالغة في التقريب ، بخلاف ما في هذه الآية فإنه لتمثيل أمر الله وذلك يكفي فيه مجرد التنبيه إذ لا يتردد السامع في التصديق به.
وقد أفادت هذه الآية إحاطة علم الله بكل موجود وإيجاد الموجودات بحكمة ، وصدورها عن إرادة وقدرة.
واللمح : النظر السريع وإخلاس النظر ، يقال : لمح البصر ، ويقال : لمح البرق كما يقال : لمع البرق. ولما كان لمح البصر أسرع من لمح البرق قال تعالى : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) كما قال في سورة النحل [٧٧] (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ).
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١))
التفت من طريق الغيبة إلى الخطاب ومرجع الخطاب هم المشركون لظهور أنهم المقصود بالتهديد ، وهو تصريح بما تضمنه قوله : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) [القمر : ٤٣] فهو بمنزلة النتيجة لقوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) إلى (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٤٩ ، ٥٠].
وهذا الخبر مستعمل في التهديد بالإهلاك وبأنه يفاجئهم قياسا على إهلاك الأمم السابقة ، وهذا المقصد هو الذي لأجله أكد الخبر بلام القسم وحرف (قد). أما إهلاك من قبلهم فهو معلوم لا يحتاج إلى تأكيد.
ولك أن تجعل مناط التأكيد إثبات أن إهلاكهم كان لأجل شركهم وتكذيبهم الرسل.
وتفريع (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قرينة على إرادة المعنيين فإن قوم نوح بقوا أزمانا فما أقلعوا عن إشراكهم حتى أخذهم الطوفان بغتة. وكذلك عاد وثمود كانوا غير مصدقين بحلول العذاب