خلق الإنسان عن ذكره ثم أتبعه إياه ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان» اه.
وتبع ذلك من التنويه بالنبيء صلىاللهعليهوسلم بأن الله هو الذي علمه القرآن ردّا على مزاعم المشركين الذين يقولون : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] ، وردا على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين أو أنه سحر أو كلام كاهن أو شعر.
ثم التذكير بدلائل قدرة الله تعالى فيما أتقن صنعه مدمجا في ذلك التذكير بما في ذلك كله من نعم على الناس.
وخلق الجن وإثبات جزائهم.
والموعظة بالفناء وتخلص من ذلك إلى التذكير بيوم الحشر والجزاء. وختمت بتعظيم الله والثناء عليه.
وتخلل ذلك إدماج التنويه بشأن العدل ، والأمر بتوفية أصحاب الحقوق حقوقهم ، وحاجة الناس إلى رحمة الله فيما خلق لهم ، ومن أهمها نعمة العلم ونعمة البيان ، وما أعد من الجزاء للمجرمين ومن الثواب والكرامة للمتقين ووصف نعيم المتقين.
ومن بديع أسلوبها افتتاحها الباهر باسمه (الرَّحْمنُ) وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره.
ومنه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إذ تكرر فيها إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل كما سنبينه.
[١ ، ٢] (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢))
هذه آية واحدة عند جمهور العادّين. ووقع في المصاحف التي برواية حفص عن عاصم علامة آية عقب كلمة (الرَّحْمنُ) ، إذ عدّها قراء الكوفة آية فلذلك عد أهل الكوفة آي هذه السورة ثمانيا وسبعين. فإذا جعل اسم (الرَّحْمنُ) آية تعين أن يكون اسم «الرحمن»: إما خبرا لمبتدإ محذوف تقديره : هو الرحمن ، أو مبتدأ خبره محذوف يقدر بما يناسب المقام.
ويجوز أن يكون واقعا موقع الكلمات التي يراد لفظها للتنبيه على غلط المشركين إذ أنكروا هذا الاسم قال تعالى : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) كما تقدم في سورة الفرقان [٦٠] ، فيكون موقعه شبيها بموقع الحروف المقطّعة التي يتهجّى بها في أوائل بعض السور على