أظهر الوجوه في تأويلها وهو التعريض بالمخاطبين بأنهم أخطئوا في إنكارهم الحقائق.
وافتتح باسم (الرَّحْمنُ) فكان فيه تشويق جميع السامعين إلى الخبر الذي يخبر به عنه إذ كان المشركون لا يألفون هذا الاسم قال تعالى : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] ، فهم إذا سمعوا هذه الفاتحة ترقبوا ما سيرد من الخبر عنه ، والمؤمنون إذا طرق أسماعهم هذا الاسم استشرفوا لما سيرد من الخبر المناسب لوصفه هذا مما هم متشوقون إليه من آثار رحمته.
على أنه قد قيل : إن هذه السورة نزلت بسبب قول المشركين في النبيصلىاللهعليهوسلم (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] ، أي يعلمه القرآن فكان الاهتمام بذكر الذي يعلم النبي صلىاللهعليهوسلم القرآن أقوى من الاهتمام بالتعليم.
وأوثر استحضار الجلالة باسم (الرَّحْمنُ) دون غيره من الأسماء لأن المشركين يأبون ذكره فجمع في هذه الجملة بين ردّين عليهم مع ما للجملة الاسمية من الدلالة على ثبات الخبر ، ولأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء فافتتاحها باسم (الرَّحْمنُ) براعة استهلال.
وقد أخبر عن هذا الاسم بأربعة أخبار متتالية غير متعاطفة رابعها هو جملة (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [الرحمن : ٥] كما سيأتي لأنها جيء بها على نمط التعديد في مقام الامتنان والتوقيف على الحقائق والتبكيت للخصم في إنكارهم صريح بعضها ، وإعراضهم عن لوازم بعضها كما سيأتي ، ففصل جملتي (خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٣ ، ٤] عن جملة (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) خلاف مقتضى الظاهر لنكتة التعديد للتبكيت.
وعطف عليها أربعة أخر بحرف العطف من قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) إلى قوله : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) [الرحمن : ٦ ـ ١٠] وكلها دالة على تصرفات الله ليعلمهم أن الاسم الذي استنكروه هو اسم الله وأن المسمى واحد.
وجيء بالمسند فعلا مؤخرا عن المسند إليه لإفادة التخصيص ، أي هو علّم القرآن لا بشر علمه وحذف المفعول الأول لفعل (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) لظهوره ، والتقدير : علّم محمدا صلىاللهعليهوسلم لأنهم ادعوا أنه معلّم وإنما أنكروا أن يكون معلّمه القرآن هو الله تعالى وهذا تبكيت أول.
وانتصب (الْقُرْآنَ) على أنه مفعول ثان لفعل (عَلَّمَ) ، وهذا الفعل هنا معدّى إلى مفعولين فقط لأنه ورد على أصل ما يفيده التضعيف من زيادة مفعول آخر مع فاعل فعله