وثانيتهما : الدلالة على نعمة الله على الإنسان.
والخلق : نعمة عظيمة لأن فيها تشريفا للمخلوق بإخراجه من غياهب العدم إلى مبرز الوجود في الأعيان ، وقدّم خلق الإنسان على خلق السماوات والأرض لما علمت آنفا من مناسبة إردافه بتعليم القرآن.
ومجيء المسند فعلا بعد المسند إليه يفيد تقوّي الحكم. ولك أن تجعله للتخصيص بتنزيلهم منزلة من ينكر أن الله خلق الإنسان لأنهم عبدوا غيره.
(عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤))
خبر ثالث تضمن الاعتبار بنعمة الإبانة عن المراد والامتنان بها بعد الامتنان بنعمة الإيجاد ، أي علّم جنس الإنسان أن يبين عما في نفسه ليفيده غيره ويستفيد هو.
والبيان : الإعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق وبه تميز الإنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم.
وأما البيان بغير النطق من إشارة وإيماء ولمح النظر فهو أيضا من مميزات الإنسان وإن كان دون بيان النطق.
ومعنى تعليم الله الإنسان البيان : أنه خلق فيه الاستعداد لعلم ذلك وألهمه وضع اللغة للتعارف ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) في سورة البقرة [٣١].
وفيه الإشارة إلى أن نعمة البيان أجل النعم على الإنسان ، فعدّ نعمة التكاليف الدينية وفيه تنويه بالعلوم الزائدة في بيان الإنسان وهي خصائص اللغة وآدابها.
ومجيء المسند فعلا بعد المسند إليه لإفادة تقوّي الحكم.
وفيه من التبكيت ما علمته آنفا ، ووجهه أنهم لم يشكروه على نعمة البيان إذ صرفوا جزءا كبيرا من بيانهم فيما يلهيهم عن إفراد الله بالعبادة وفيما ينازعون به من يدعوهم إلى الهدى.
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥))
جملة هي خبر رابع عن الرحمن وإلّا كان ذكره هنا بدون مناسبة فينقلب اعتراضا. ورابط الجملة بالمبتدإ تقديره : بحسبانه ، أي حسبان الرحمن وضبطه.