المصدرية.
ولفظ (الْمِيزانِ) يسمح بإرادة المعنيين على طريقة استعمال المشترك في معنييه. وفي لفظ الميزان وما قارنه من فعل (وَضَعَ) وفعلي (أَلَّا تَطْغَوْا) و (أَقِيمُوا) وحرف الباء في قوله : (بِالْقِسْطِ) وحرف (فِي) من قوله : (فِي الْمِيزانِ) ولفظ (بِالْقِسْطِ) ، كل هذه تظاهرت على إفادة هذه المعاني وهذا من إعجاز القرآن.
والطغيان : دحض الحق عمدا واحتقارا لأصحابه ، فمعنى الطغيان في العدل الاستخفاف بإضاعته وضعف الوازع عن الظلم. ومعنى الطغيان في وزن المقدرات تطفيفه.
و (فِي) من قوله : (فِي الْمِيزانِ) ظرفية مجازية تفيد النهي عن أقل طغيان على الميزان ، أي ليس النهي عن إضاعة الميزان كله بل النهي عن كل طغيان يتعلق به على نحو الظرفية في قوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) [النساء : ٥] ، أي ارزقوهم من بعضها وقول سبرة بن عمرو الفقعسي :
سبرة بن عمرو الفقعسي |
|
ونشرب في أثمانها ونقامر |
إذ أراد أنهم يشربون الخمر ببعض أثمان إبلهم ويقامرون ، أي أن لهم فيها منافع أخرى وهي العطاء والأكل منها لقوله في صدر البيت :
نحابي بها أكفاءنا ونهينها
وقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) عطف على جملة (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) على احتمال كون المعطوف عليها تفسيرية. وعلى جملة (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) على احتمال كون المعطوف عليها تعليلا.
والإقامة : جعل الشيء قائما ، وهو تمثيل للإتيان به على أكمل ما يراد له وقد تقدم عند قوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في سورة البقرة [٣].
والوزن حقيقته : تحقيق تعادل الأجسام في الثقل ، وهو هنا مراد به ما يشمل تقدير الكميات وهو الكيل والمقياس.
والقسط : العدل وهو معرب من الرومية وأصله قسطاس ثم اختصر في العربية فقالوا مرة : قسطاس ، ومرة : قسط ، وتقدم في قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) في سورة الأنبياء [٤٧].