ولما كان الوجه هنا بمعنى الذات وصف ب (ذُو الْجَلالِ) ، أي العظمة و (الْإِكْرامِ) ، أي المنعم على عباده وإلا فإن الوجه الحقيقي لا يضاف للإكرام في عرف اللغة ، وإنما يضاف للإكرام اليد ، أي فهو لا يفقد عبيده جلاله وإكرامه ، وقد دخل في الجلال جميع الصفات الراجعة إلى التنزيه عن النقص وفي الإكرام جميع صفات الكمال الوجودية وصفات الجمال كالإحسان.
وتفريع (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إنما هو تفريع على جملة (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) كما علمت من أنه يتضمن معاملة خلقه معاملة العظيم الذي لا تصدر عنه السفاسف ، الكريم الذي لا يقطع إنعامه ، وذلك من الآلاء العظيمة.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))
تكرير كما تقدم وهذا الموقع ينادي على أن ليست هذه الجملة تذييلا لجملة (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، ولا أن جملة (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) تتضمن نعمة إذ ليس في الفناء نعمة.
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩))
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
استئناف ، والمعنى أن الناس تنقرض منهم أجيال وتبقى أجيال وكل باق محتاج إلى أسباب بقائه وصلاح أحواله فهم في حاجة إلى الذي لا يفنى وهو غير محتاج إليهم. ولما أفضى الإخبار إلى حاجة الناس إليه تعالى أتبع بأن الاحتياج عام أهل الأرض وأهل السماء. فالجميع يسألونه ، فسؤال أهل السماوات وهم الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ويسألون رضى الله تعالى ، ومن في الأرض وهم البشر يسألونه نعم الحياة والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات في الآخرة. وحذف مفعول (يَسْئَلُهُ) لإفادة التعميم ، أي يسألونه حوائجهم ومهامهم من طلوع الشمس إلى غروبها.
(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
يجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير النصب في (يَسْئَلُهُ) أو تذييلا لجملة (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي كلّ يوم هو في شأن من الشئون للسائلين وغيرهم فهو تعالى يبرم شئونا مختلفة من أحوال الموجودات دواما ، ويكون (كُلَّ يَوْمٍ) ظرفا متعلقا