وجملة (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) بيان للتعجيز الذي في الجملة قبله فإن السلطان : القدرة ، أي لا تنفذون من هذا المأزق إلا بقدرة عظيمة تفوق قدرة الله الذي حشركم لهذا الموقف ، وأنّى لكم هاته القوة.
وهذا على طريق قوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ* وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) [الشعراء : ٢١٠ ، ٢١١] ، أي ما صعدوا إلى السماء فيتنزّلوا به.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤))
القول فيه كالقول في نظيره المذكور قبله.
(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥))
استئناف بياني عن جملة (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) [الرحمن : ٣٣] إلخ لأن ذلك الإشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلا عمّا وراءه.
وضمير (عَلَيْكُما) راجع إلى الجنّ والإنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة ، وهي قوله بعده : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦] الآيات. وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عرض لهم بذلك تعريضا بقوله : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) [الرحمن : ٣٣].
ومعنى (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) أن ذلك يعترضهم قبل أن يلجوا في جهنم ، أي تقذفون بشواظ من نار تعجيلا للسوء. والمضارع للحال ، أي ويرسل عليكما الآن شواظ.
والشواظ بضم الشين وكسرها : اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقا. وقرأه الجمهور بضم الشين. وقرأه ابن كثير بكسرها.
والنّحاس : يطلق على الدخان الذي لا لهب معه. وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل.
والمعنى عليه : أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمرين.
ويطلق النحاس على الصّفر وهو القطر. وبه فسر مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس أيضا. فالمعنى : أنه يصبّ عليهم الصّفر المذاب.