عيون الماء جمعا للنظيرين ، ثم أعقب ذلك بما هو من جمال المنظر ، أعني : الفواكه في أفنانها ومن ملذات الذوق.
وأما تثنية زوجان فإن الزوج هنا النوع ، وأنواع فواكه الجنة كثيرة وليس لكل فاكهة نوعان : فإمّا أن نجعل التثنية بمعنى الجمع ونجعل إيثار صيغة التثنية لمراعاة الفاصلة ولأجل المزاوجة مع نظائرها من قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) إلى هنا.
وإما أن نجعل تثنية (زَوْجانِ) لكون الفواكه بعضها يؤكل رطبا وبعضها يؤكل يابسا مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب ، وأخص الجوز واللوز وجافهما.
و (مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) بيان ل (زَوْجانِ) مقدّم على المبيّن لرعي الفاصلة.
وتخلل هذه الآيات الثلاث بآيات (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) جار على وجه الاعتراض وعلى أنه مجرد تكرير كما تقدم أولاها.
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤))
حال من (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) وجيء بالحال صيغة جمع باعتبار معنى صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد ، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإفراد فإن ذلك اعتبار بكون (من) مفردة اللفظ.
والمعنى : أعطوا الجنان واستقرّوا بها واتكئوا على فرش.
والاتكاء : افتعال من الوكء مهموز اللام وهو الاعتماد ، فصار الاتكاء اسما لاعتماد الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعود ، وتقدم في قوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) في سورة يوسف [٣١] ، وتقدم أيضا في سورة الصافات.
وفرش : جمع فراش ككتاب وكتب. والفراش أصله ما يفرش ، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع.
ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسوق لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه ، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة [١٥ ، ١٦] في قوله : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) وفي سورة الصافات [٤٤] (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).