إذا أقدم عليه فأخفق كأنّ نفسه لما شجعته على اقتحامه قد قالت له : إنك تطيقه فتعرّض له ولا تبال به فإنك مذلّله فإذا تبين له عجزه فكأنّ نفسه أخبرته بما لا يكون فقد كذبته ، كما يقال : كذبته عينه إذا تخيّل مرئيا ولم يكن.
والمعنى : إذا وقعت القيامة تحقق منكروها ذلك فأقلعوا عن اعتقادهم أنها لا تقع وعلموا أنهم ضلّوا في استدلالهم وهذا وعيد بتحذير المنكرين للقيامة من خزي الخيبة وسفاهة الرأي بين أهل الحشر.
وإطلاق وصف الكذب في جميع هذا استعارة بتشبيه السبب للفعل غير المثمر بالمخبر بحديث كذب أو تشبيه التسبب بالقول قال أبو علي الفارسي : الكذب ضرب من القول فكما جاز أن يتسع في القول في غير نطق نحو قول أبي النجم :
قد قالت الأنساع للبطن الحق (١)
جاز في الكذب أن يجعل في غير نطق نحو :
بأن كذب القراطف والقروف (٢)
واللام في (لِوَقْعَتِها) لام التوقيت نحو (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] وقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١]. وقولهم : كتبته لكذا من شهر كذا ، وهي بمعنى (عند) وأصلها لام الاختصاص شاع استعمالها في اختصاص الموقّت بوقته كقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) [الأعراف : ١٤٣]. وهو توسع في معنى الاختصاص بحيث تنوسي أصل المعنى. وفي الحديث سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أي الأعمال أفضل فقال : الصلاة لوقتها». وهذا الاستعمال غير الاستعمال الذي في قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية : ٦].
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣))
__________________
(١) تمامه : قدما فآضت كالفنيق المحنق.
النسع : حزام يشد على بطن الدابة.
(٢) أوله : وذبيانية وصت بنيها.
وهو معقّر بن حمار البارقي.
والقرف : الأديم. والقرطفة : القطيفة المخملة.