خبران لمبتدإ محذوف ضمير (الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١] ، أي هي خافضة رافعة ، أي يحصل عندها خفض أقوام كانوا مرتفعين ورفع أقوام كانوا منخفضين وذلك بخفض الجبابرة والمفسدين الذين كانوا في الدنيا في رفعة وسيادة ، وبرفع الصالحين الذين كانوا في الدنيا لا يعبئون بأكثرهم ، وهي أيضا خافضة جهات كانت مرتفعة كالجبال والصوامع ، رافعة ما كان منخفضا بسبب الانقلاب بالرجّات الأرضية.
وإسناد الخفض والرفع إلى الواقعة مجاز عقلي إذ هي وقت ظهور ذلك. وفي قوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) محسن الطباق مع الإغراب بثبوت الضدّين لشيء واحد.
[٤ ـ ٧] (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧))
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ) بدل من جملة (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١] وهو بدل اشتمال.
والرّج : الاضطراب والتحرك الشديد ، فمعنى : (رُجَّتِ) رجّها راجّ ، وهو ما يطرأ فيها من الزلازل والخسف ونحو ذلك.
وتأكيده بالمصدر للدلالة على تحققه وليتأتى التنوين المشعر بالتعظيم والتهويل.
والبسّ يطلق بمعنى التفتت وهو تفرّق الأجزاء المجموعة ، ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتّتت الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) [طه : ١٠٥ ، ١٠٦].
ويطلق البسّ أيضا على السّوق للماشية ، يقال : بسّ الغنم ، إذا ساقها. وفي الحديث : «فيأتي قوم يبسّون بأموالهم وأهليهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» فهو في معنى قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧] ، وقوله : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) [النبأ : ٢٠] وتأكيده بقوله : (بَسًّا) كالتأكيد في قوله : (رَجًّا) لإفادة التعظيم بالتنوين.
وتفريع (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) على (بُسَّتِ الْجِبالُ) لائق بمعنيي البسّ لأن الجبال إذا سيّرت فإنما تسيّر تسييرا يفتتها ويفرقها ، أي تسيير بعثرة وارتطام.
والهباء : ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) في سورة الفرقان [٢٣].