وبذلك كان هذا ابتداء تفصيل لجزاء الأصناف الثلاثة على طريقة النشر بعد اللف ، نشرا مشوّشا تشويشا اقتضته مناسبة اتصال المعاني بالنسبة إلى كل صنف أقرب ذكرا ، ثم مراعاة الأهمّ بالنسبة إلى الصنفين الباقيين فكان بعض الكلام آخذا بحجز بعض.
والمقرّب : أبلغ من القريب لدلالة صيغته على الاصطفاء والاجتباء ، وذلك قرب مجازي ، أي شبه بالقرب في ملابسة القريب والاهتمام بشئونه فإن المطيع بمجاهدته في الطاعة يكون كالمتقرب إلى الله ، أي طالب القرب منه فإذا بلغ مرتبة عالية من ذلك قرّبه الله ، أي عامله معاملة المقرّب المحبوب ، كما جاء : «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» وكل هذه الأوصاف مجازيه تقريبا لمعنى التقريب.
ولم يذكر متعلّق (الْمُقَرَّبُونَ) لظهور أنه مقرب من الله ، أي من عنايته وتفضيله ، وكذلك لم يذكر زمان التقريب ولا مكانه لقصد تعميم الأزمان والبقاع الاعتبارية في الدنيا والآخرة.
وفي جعل المسند إليه اسم إشارة تنبيه على أنهم أحرياء بما يخبر عنه من أجل الوصف الوارد قبل اسم الإشارة وهو أنهم السابقون على نحو ما تقدم في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥].
وقوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) خبر ثان عن (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أو حال منه.
وإيقاعه بعد وصف (الْمُقَرَّبُونَ) مشير إلى أن مضمونه من آثار التقريب المذكور.
[١٣ ، ١٤] (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤))
اعتراض بين جملة (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : ١٢] وجملة على (سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) [الواقعة : ١٥].
و (ثُلَّةٌ) خبر عن مبتدأ محذوف ، تقديره : هم ثلة ، ومعاد الضمير المقدر «السابقون» ، أي السابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.
وهذا الاعتراض يقصد منه التنويه بصنف السابقين وتفضيلهم بطريق الكناية عن ذلك بلفظي (ثُلَّةٌ) و (قَلِيلٌ) المشعرين بأنهم قلّ من كثر ، فيستلزم ذلك أنهم صنف عزيز نفيس