للتشبيه ، أي مثل قولنا : قال ربك فنحن بلّغنا ما أمرنا بتبليغه.
وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) تعليل لجملة (كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) المقتضية أن الملائكة ما أخبروا إبراهيم إلا تبليغا من الله وأن الله صادق وعده وأنه لا موقع لتعجب امرأة إبراهيم لأن الله حكيم يدبر تكوين ما يريده ، وعليم لا يخفى عليه حالها من العجز والعقم.
وهذه المحاورة بين الملائكة وسارة امرأة إبراهيم وقع مثلها بينهم وبين إبراهيم كما قصّ في سورة الحجر ، فحكي هنا ما دار بينهم وبين سارة ، وحكي هناك ما دار بينهم وبين إبراهيم والمقام واحد ، والحالة واحدة كما بيّن في سورة هود [٧٢] (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).
[٣١ ـ ٣٤] (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤))
علم إبراهيم من محاورتهم فيما ذكر في هذه الآية وما ورد ذكره في آيات أخرى أنهم ملائكة مرسلون من عند الله فسألهم عن الشأن الذي أرسلوا لأجله. وإنما سألهم بعد أن قراهم جريا على سنة الضيافة أن لا يسأل الضيف عن الغرض الذي أورده ذلك المنزل إلا بعد استعداده للرحيل كيلا يتوهم سامة مضيّفة من نزوله به ، وليعينه على أمره إن كان مستطيعا ، وهم وإن كانوا قد بشروه بأمر عظيم إلا أنه لم يعلم هل ذلك هو قصارى ما جاءوا لأجله؟
وحكي فعل القول بدون عاطف لأنه في مقاوله محاورة بينه وبين ضيفه.
والفاء فيما حكي من كلام إبراهيم فصيحة مؤذنة بكلام محذوف ناشئ عن المحاورة الواقعة بينه وبين ضيفه وهو من عطف كلام على كلام متكلم آخر ويقع كثيرا في العطف بالواو نحو قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤] بعد قوله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤] وقوله حكاية عن نوح : (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الشعراء : ١١٢]. فإبراهيم خاطب الملائكة بلغته مايؤدي مثله بفصيح الكلام العربي بعبارة (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ). وتقدير المحذوف : إذ كنتم مرسلين من جانب الله تعالى فما خطبكم الذي أرسلتم لأجله. وقد علم إبراهيم أن نزول الملائكة بتلك الصورة لا تكون لمجرد بشارته بابن يولد له ولزوجه إذ كانت البشارة تحصل له