دائمة مبذولة لهم. والنفي هنا أوقع من الإثبات لأنه بمنزلة وصف وتوكيده ، وهم لا يصفون بالنفي إلا مع التكرير بالعطف كقوله تعالى : (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥]. وفي حديث أم زرع : «قالت المرأة الرابعة : زوجي كليل تهامة لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة».
ثم تارة يقصد به إثبات حالة وسطى بين حالي الوصفين المنفيين كما في قول أم زرع : «لا حرّ ولا قرّ» ، وفي آية : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥] وهذا هو الغالب وتارة يقصد به نفي الحالين لإثبات ضديهما كما في قوله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) وقوله الآتي : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٤٤] ، وقول المرأة الرابعة في حديث أمّ زرع : «ولا مخافة ولا سآمة».
وجمع بين الوصفين لأن فاكهة الدنيا لا تخلو من أحد ضدي هذين الوصفين فإن أصحابها يمنعونها فإن لم يمنعوها فإن لها إبانا تنقطع فيه.
والفرش : جمع فراش بكسر الفاء وهو ما يفرش وتقدم في سورة الرحمن. و (مَرْفُوعَةٍ) : وصف ل (فُرُشٍ) ، أي مرفوعة على الأسرة ، أي ليست مفروشة في الأرض.
ويجوز أن يراد بالفرش الأسرّة من تسمية الشيء باسم ما يحل فيه.
[٣٥ ـ ٣٨] (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨))
لما جرى ذكر الفرش وهي مما يعد للاتكاء والاضطجاع وقت الراحة في المنزل يخطر بالبال بادئ ذي بدء مصاحبة الحور العين معهم في تلك الفرش فيتشوف إلى وصفهن ، فكانت جملة : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) بيانا لأن الخاطر بمنزلة السؤال عن صفات الرفيقات.
فضمير المؤنث من (أَنْشَأْناهُنَ) عائد إلى غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في الأفهام كقول أبي تمام في طالع قصيدة :
هنّ عوادي يوسف وصواحبه ومنه قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢]. وهذا أحسن وجه في تفسير الآية ، فيكون لفظ (فُرُشٍ) [الواقعة : ٣٤] في الآية مستعملا في معنييه ويكون (مَرْفُوعَةٍ)