ويقال للعروب بلغة أهل مكة العربة والشّكلة. ويقال لها بلغة أهل المدينة : الغنجة. وبلغة العراق : الشّكلة ، أي ذات الشّكل بفتح الكاف وهو الدلال والتعرّب.
والأتراب : جمع ترب بكسر المثناة الفوقية وسكون الراء وهي المرأة التي ساوى سنها سنّ من تضاف هي إليه من النساء ، وقد قيل : إن الترب خاص بالمرأة ، وأما المساوي في السن من الرجال فيقال له : قرن ولدة.
فالمعنى : أنهن جعلن في سن متساوية لا تفاوت بينهن ، أي هن في سن الشباب المستوي فتكون محاسنهن غير متفاوتة في جميع جهات الحسن ، وعلى هذا فنساء الجنة هن الموصوفات بأنهن «أتراب» بعضهن لبعض.
وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم وخلف (عُرُباً) بسكون الراء سكون تخفيف وهو ملتزم في لغة تميم في هذا اللفظ.
واللام في (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) يتنازعها (أَنْشَأْناهُنَ) و (فَجَعَلْناهُنَ) لإفادة توكيد الاعتناء بأصحاب اليمين المستفاد من المقام من قوله : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٢٧] الآية.
واعلم أن ما أعطي لأصحاب اليمين ليس مخالفا لأنواع ما أعطي للسابقين ولا أن ما أعطي للسابقين مخالف لما أعطي أصحاب اليمين فإن الظل والماء المسكوب وكون أزواجهم عربا أترابا لم يذكر مثله للسابقين وهو ثابت لهم لا محالة إذ لا يقصرون عن أصحاب اليمين ، وكذلك ما ذكر للسابقين من الولدان وأكوابهم وأباريقهم ولحم الطير وكون أزواجهم حورا عينا وأنهم لا يسمعون إلا قيلا سلاما سلاما ، لم يذكر مثله لأصحاب اليمين مع أن لأهل الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. وقد ذكر في آيات كثيرة أنهم أعطوا أشياء لم يذكر إعطاؤها لهم في هذه الآية مثل قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [يونس : ١٠] ، فليس المقصود توزيع النعيم ولا قصره ولكن المقصود تعداده والتشويق إليه مع أنه قد علم أن السابقين أعلى مقاما من أصحاب اليمين بمقتضى السياق. وقد أشار إلى تفاوت المقامين أنه ذكر في نعيم السابقين أنه جزاء بما كانوا يعملون للوجه الذي بيناه فيها ولم يذكر مثله في نعيم أصحاب اليمين وجماع الغرض من ذلك التنويه بكلا الفريقين.
[٣٩ ، ٤٠] (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠))
أي أصحاب اليمين : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ، والكلام فيه كالكلام