و (أَمْ) متصلة معادلة الهمزة ، وما بعدها معطوف لأن الغالب أن لا يذكر له خبر اكتفاء بدلالة خبر المعطوف عليه على الخبر المحذوف ، وهاهنا أعيد الخبر في قوله : (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) زيادة في تقرير إسناد الخلق إلى الله في المعنى وللإيفاء بالفاصلة وامتداد نفس الوقف ، ويجوز أن نجعل (أَمْ) منقطعة بمعنى (بل) لأن الاستفهام ليس بحقيقي فليس من غرضه طلب تعيين الفاعل ويكون الكلام قد تم عند قوله : (تَخْلُقُونَهُ).
والمعنى : أتظنون أنفسكم خالقين النسمة مما تمنون.
[٦٠ ، ٦١] (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١))
(نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ).
استدلال بإماتة الأحياء على أنها مقدورة لله تعالى ضرورة أنهم موقنون بها ومشاهدونها ووادّون دفعها أو تأخيرها ، فإن الذي قدر على خلق الموت بعد الحياة قادر على الإحياء بعد الموت إذ القدرة على حصول شيء تقتضي القدرة على ضده فلا جرم أن القادر على خلق حيّ مما ليس فيه حياة وعلى إماتته بعد الحياة قدير على التصرف في حالتي إحيائه وإماتته ، وما الإحياء بعد الإماتة إلا حالة من تينك الحقيقتين ، فوضح دليل إمكان البعث ، وهذا مثل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) [الحج : ٦٦].
هذا أصل المفاد من قوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) ثم هو مع ذلك تنبيه على أن الموت جعله الله طورا من أطوار الإنسان لحكمة الانتقال به إلى الحياة الأبدية بعد إعداده لها بما تهيئه له أسباب الكمال المؤهلة لتلك الحياة لتتم المناسبة بين ذلك العالم وبين عامريه. وقد مضى الكلام على ذلك عند تفسير قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) في سورة المؤمنين [١١٥].
فهذا وجه التعبير ب (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) دون : نحن نميتكم ، أي أن الموت مجعول على تقدير معلوم مراد ، مع ما في مادة (قَدَّرْنا) من التذكير بالعلم والقدرة والإرادة لتتوجه أنظار العقول إلى ما في طيّ ذلك من دقائق وهي كثيرة ، وخاصة في تقدير موت الإنسان الذي هو سبيل إلى الحياة الكاملة إن أخذ لها أسبابها.