مَحْرُومُونَ) يؤيد ذلك ، فالفكاهة : المسرة والانبساط ، وادعى الكسائي أنها من أسماء الأضداد واعتمده في «القاموس» إذ قال : وتفكه ، أكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضده. قال ابن عطية : وهذا كله ـ أي ما روي عن ابن عباس وغيره في تفسير (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) ـ لا يخص اللفظة (أي هو تفسير بحاصل المعنى دون معاني الألفاظ) والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفاكهة (كذا ولعل صوابه الفكاهة) عن أنفسكم وهي المسرة والجذل ، ورجل فكه ، إذا كان منبسط النفس غير مكترث بشيء اه. يعني أن صيغة التفعّل فيه مطاوعة فعّل الذي تضعيفه للإزالة مثل قشّر العود وقرّد البعير وأثبت صاحب «القاموس» هذا القول ونسبه إلى ابن عطية.
وجعلوا جملة (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) تندما وتحسرا ، أي تعلمون أن حطم زرعكم حرمان من الله جزاء لكفركم ، ومعنى (لَمُغْرَمُونَ) من الغرام وهو الهلاك كما في قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) [الفرقان : ٦٥]. وهذا شبيه بما في سورة القلم من قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) إلى قوله : (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) [القلم : ٢٦ ـ ٣١].
فتحصل أن معنى الآية يجوز أن يكون جاريا على ظاهر مادة فعل (تَفَكَّهُونَ) ويكون ذلك تهكما بهم حملا لهم على معتاد أخلاقهم من الهزل بآيات الله ، وقرينة التهكم ما بعده من قوله عنهم (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ).
ويجوز أن يكون محمل الآية على جعل (تَفَكَّهُونَ) بمعنى تندمون وتحزنون ، ولذلك كان لفعل (تَفَكَّهُونَ) هنا وقع يعوضه غيره.
وجملة (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) مقول قول محذوف هو حال من ضمير (تَفَكَّهُونَ).
وقرأ الجمهور (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) بهمزة واحدة وهي همزة (إنّ) ، وقرأه أبو بكر عن عاصم أإنا بهمزتين همزة استفهام وهمزة (إن).
[٦٨ ، ٦٩] (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩))
هذا على طريقة قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) [الواقعة : ٦٣] الآية ، تفريعا واستفهاما ، وفعل رؤية.
ومناسبة الانتقال أن الحرث إنما ينبت زرعه وشجره بالماء فانتقل من الاستدلال