أهل القرية على فسادهم ، قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) [التحريم : ١٠] الآية ، فبيت لوط كان كله من المسلمين ولم يكن كله من المؤمنين فلذلك لم ينج منهم إلا الذين اتصفوا بالإيمان والإسلام معا.
والوجدان في قوله : (فَما وَجَدْنا) مراد به تعلّق علم الله تعالى بالمعلوم بعد وقوعه وهو تعلق تنجيزي ، ووجدان الشيء إدراكه وتحصيله.
ومعنى (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) : أن القرية بقيت خرابا لم تعمر ، فكان ما فيها من آثار الخراب آية للذين يخافون عذاب الله ، قال تعالى في سورة الحجر [٧٦] (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، أو يعود الضمير إلى ما يؤخذ من مجموع قوله : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [الذاريات : ٣٢] على تأويل الكلام بالقصة ، أي تركنا في قصتهم.
والترك حقيقته : مفارقة شخص شيئا حصل معه في مكان ففارق ذلك المكان وأبقى منه ما كان معه ، كقول عنترة :
فتركته جزر السباع ينشنه
ويطلق على التسبب في إيجاد حالة تطول ، كقول النابغة :
فلا تتركنّي بالوعيد كأنني |
|
إلى الناس مطليّ به القار أجرب |
بتشبيه إبقاء تلك الحالة فيه بالشيء المتروك في مكان. ووجه الشبه عدم التغير.
والترك في الآية : كناية عن إبقاء الشيء في موضع دون مفارقة التارك ، أو هو مجاز مرسل في ذلك فيكون نظير ما في بيت النابغة.
و (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ) هم المؤمنون بالبعث والجزاء من أهل الإسلام وأهل الكتاب دون المشركين فإنهم لما لم ينتفعوا بدلالة مواقع الاستئصال على أسباب ذلك الاستئصال نزلت دلالة آيته بالنسبة إليهم منزلة ما ليس بآية كما قال تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥].
والمعنى : أن الذين يخافون اتعظوا بآية قوم لوط فاجتنبوا مثل أسباب إهلاكهم ، وأن الذين أشركوا لا يتعظون فيوشك أن ينزل عليهم عذاب أليم.
[٣٨ ـ ٤٠] (وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ