سورة يونس [٦١].
والكريم : النفيس الرفيع في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
وهذا تفضيل للقرآن على أفراد نوعه من الكتب الإلهية مثل التوراة والإنجيل والزبور ومجلة لقمان ، وفضله عليها بأنه فاقها في استيفاء أغراض الدين وأحوال المعاش والمعاد وإثبات المعتقدات بدلائل التكوين. والإبلاغ في دحض الباطل دحضا لم يشتمل على مثله كتاب سابق ، وخاصة الاعتقاد ، وفي وضوح معانيه ، وفي كثرة دلالته مع قلة ألفاظه ، وفي فصاحته ، وفي حسن آياته ، وحسن مواقعها في السمع وذلك من آثار ما أراد الله به من عموم الهداية به ، والصلاحية لكل أمة ، ولكل زمان ، فهذا وصف للقرآن بالرفعة على جميع الكتب حقا لا يستطيع المخالف طعنا فيه.
وبعد أن وصف القرآن ب (كَرِيمٌ) ، وصف وصفا ثانيا بأنه (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) وذلك وصف كرامة لا محالة ، فليس لفظ (كِتابٍ) ولا وصف (مَكْنُونٍ) مرادا بهما الحقيقة إذ ليس في حمل ذلك على الحقيقة تكريم ، فحرف (في) للظرفية المجازية.
والكتاب المكنون : مستعار لموافقة ألفاظ القرآن ومعانيه ما في علم الله تعالى وإرادته وأمره الملك بتبليغه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتلك شئون محجوبة عنّا فلذلك وصف الكتاب بالمكنون اشتقاقا من الاكتنان وهو الاستتار ، أي محجوب عن أنظار الناس فهو أمر مغيّب لا يعلم كنهه إلا الله.
وحاصل ما يفيده معنى هذه الآية : أن القرآن الذي بلغهم وسمعوه من النبيصلىاللهعليهوسلم هو موافق لما أراد الله إعلام الناس به وما تعلقت قدرته بإيجاد نظمه المعجز ، ليكمل له وصف أنه كلام الله تعالى وأنه لم يصنعه بشر.
ونظير هذه الظرفية قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) إلى قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) في سورة الأنعام [٥٩] ، وقوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر : ١١] أي إلا جاريا على وفق ما علمه الله وجرى به قدره ، فكذلك قوله هنا : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) ، فاستعير حرف الظرفية لمعنى مطابقة ما هو عند الله ، تشبيها لتلك المطابقة باتحاد المظروف بالظرف. وقريب منه قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٨ ، ١٩] وهذا أولى من اعتبار